الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الحالة الرابعة : وهو أن يكون الثوب في يد المشتريين ، فقد تكافئا في البينة واليد ، لأن لكل واحد منهما بينة داخل في نصفه ، وبينة خارج من نصفه ، فيحكم به بينهما نصفين وتكون الخصومة فيه بين المشتريين ، ولا خصومة في الحال بينهما ، وبين البائعين ، لأن لكل واحد منهما إحلاف صاحبه قولا واحدا ، لأنه لو صدقه عليه ، لزمه تسليم ما بيده وفي كيفية يمينه قولان من اختلاف قوليه في تعارض البينتين ، فإن قيل : باستعمالهما كانت يمين كل واحد منهما على النفي دون الإثبات ، فيحلف بأنه لا حق له فيما بيدي ، ولا يحلف إني مالك لما بيدي ، لأنه قد ملكه بالبينة ، فلا يمين مع البينة ، وإن قيل : إن تعارضهما موجب لإسقاطهما ، كانت يمين كل واحد منهما على الإثبات دون النفي ، فيحلف بالله لقد تملكه بالابتياع من فلان ، لأنه لم يملك بالبينة ، فصار مالكا بالثمن ، فإن حلفا كان الثوب بينهما ملكا ، وإن نكلا كان الثوب بينهما يدا ، فلا رجوع لواحد منهما بالدرك على مبايعه ، سواء حلفا أو نكلا ، لأن كل واحد منهما في ادعاء جميعه ملكا بالابتياع مصدق لمبايعه على ملكه .

وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر ، حكم بالجميع للحالف دون الناكل ، ولزمه ثمن جميعه لمبايعه ، لاعترافهما باستحقاقه ، ولا رجوع للناكل بدركه على مبايعه بشيء من ثمنه ، لأنه مقر أنه بائع لملكه .

فإن أحال المشتريان بالتحالف على البائعين ليكونا خصمين فيه ، كان جوازه على قولين ، من اختلاف قوليه في تعارض البينتين ، فإن قيل : بإسقاطهما ، تحالف عليه البائعان وكان كل واحد من المشتريين خصما لمبايعه فيه .

[ ص: 358 ] وإن قيل باستعمالها لم يتحالف عليه البائعان ، لبت الحكم بينهما بالبينة ، ولا رجوع لواحد منهما بالدرك على مبايعه إن تداعياه ولهما الرجوع بدركه ، إن لم يتداعياه لأنهما في تداعيه مصدقان للبائعين ، وإن لم يتداعياه غير مصدقين ، وإن لم يجعل لهما الرجوع بالدرك ، فلا خيار لهما في فسخ البيع ، وإن جعل لهما الدرك كان لهما الخيار في فسخ البيع ، وكانا فيه بين ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يفسخا فيرجع كل واحد منهما بدرك جميعه .

والثاني : أن يقيما فيرجع كل واحد منهما بدرك نصفه .

والثالث : أن يفسخ أحدهما ، ويقيم الآخر ، فيرجع المقيم بدرك النصف فيرجع الفاسخ بدرك الجميع ، ولا تتوفر حصة الفاسخ على التراضي لأن حصة الفاسخ تعود إلى مبايعه ، ولا تعود إلى مبايع الراضي فصار فيه بخلاف البائع الواحد ، الذي لا يعود خصمه الفاسخ ، إلى مبايع الراضي ، فيتوفر من حصته على الراضي .

التالي السابق


الخدمات العلمية