الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الحال الخامسة : وهو أن يكون الثوب في يد أجنبي فعلى ضربين :

أحدهما : أن تنسب يده إلى أحد الأربعة ، فيكون حكمه كحكمه لو كان في يد من نسبه إليه ، وهل لكل واحد من الباقين أن يحلفه إن أكذبه على أن يده نائبة عمن نسبه إليه ، أم لا ؟ على قولين : من اختلاف قوليه في وجوب الغرم عليه إن صدق غيره ، فإن قيل : بوجوب الغرم عليه مع الإقرار ، أحلف مع الإنكار ، وإن قيل : لا غرم عليه لم يحلف .

والضرب الثاني : أن يدعيه لنفسه ملكا ، فدعواه مردودة بكل واحدة من البينتين ، لأن إحداهما تشهد به لزيد والأخرى تشهد به لعمرو ، وكل واحدة منهما تشهد بأن لا حق فيه لصاحب اليد ، ولا ينتزع من يده قبل بت الحكم بين المتنازعين ، ليتعين بالحكم مستحق انتزاعه منه ، فصارت يده ضامنة له في جنبة مستحقه ، وقد تعارضت البينتان فيه ملكا في حق البائعين ومبيعا في حق المشتريين ، وتساوت البينتان في حق الجنبتين لأنها بينتا خارج فتحمل على الأقاويل الثلاثة :

أحدها : إسقاط البينتين ، ويكون كل واحد من البائعين خصما للآخر في ملكه ، وكل واحد من المشتريين خصما لمبايعه في ابتياعه ، فيتحالف البائعان على ملكه .

فإن حلفا ، حكم به لهما ملكا .

وإن نكلا جعل بينهما يدا .

وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر فهل ترد يمين نكوله على مدعي ابتياعه ؟ على [ ص: 359 ] قولين من اختلاف قوليه في غرماء المفلس ، إذا أجابوا إلى يمين يستحق بها مال نكل عنها المفلس :

أحدهما : ترد اليمين على المشتري إذا قيل إنها ترد على الغرماء لأنه قد أثبت كل واحد منهما بيمينه حقا لنفسه .

والقول الثاني : لا ترد اليمين على المشتري إذا قيل : إنها لا ترد على الغرماء ، لأنه لا حق لهما فيما يحلفان عليه ، إلا بعد استحقاق خصمهما له ، ولا يصح لأحد أن يملك مالا بيمين غيره وإذا كان كذلك لم يخل الثوب من أن يحكم به للبائعين ، أو لأحدهما فإن حكم به لهما ، صار كل واحد من المشتريين مدعيا على مبايعه ابتياع جميعه ، ودفع ثمنه ، فإن صدقه مبايعه على دعواه صح البيع في النصف الذي صار إليه ، وبطل في نصفه الذي صار في ملك غيره ، ومشتريه بالخيار في إمضائه بنصف الثمن ، واسترجاع نصفه الباقي ، أو فسخه في جميعه ، واسترجاع جميع ثمنه وإن أكذبه مبايعه في ابتياعه ، حلف له ، ولا بيع بينهما بعد يمينه ، وهل يستحق عليه الرجوع بثمنه الذي شهدت بينته ببيعه ودفع ثمنه ، أم لا ؟ على قولين من اختلاف قوليه في الشهادة إذا ردت في بعض ما شهدت به هل يوجب ردها في باقيه ؟

أحدهما : لا يرد ويحكم له على البائع برد الثمن .

والقول الثاني : يرد ، ويكون القول قول البائع في إنكاره مع يمينه ، وإن حكم بالثوب لأحد المتبايعين بطل بيع من لم يحكم له ، وهل يرد المثمن بالبينة إن أنكر أم لا ؟ على القولين وتوجهت الدعوى على من حكم له بالثوب لمشتريه منه فإن صدقه عليه ، صح البيع في جميعه ولا خيار لمشتريه وإن أنكره حلف ، ولا بيع بينهما ، وهل يلزمه رد الثمن بالبينة أم لا على القولين ؟

فهذا ما يتفرع على هذه الدعوى على هذا القول الموجب لإسقاط البينتين .

والقول الثاني : أنه لا يوجب سقوطهما بالتعارض ، ويميز بينهما بالقرعة . فأيتهما قرعت ، حكم بها لمن شهدت له بملك البائع وبيعه على المشتري ، وفي إحلافه مع القرعة قولان وردت البينة المقروعة في ملك الآخر ، وبيعه ، ولم ترد فيما شهدت به من دفع الثمن قولا واحدا ، لأنه لم يكن ردها إسقاطا وإنما كان ترجيحا .

والقول الثالث : استعمال البينتين بقسم الثوب بهما بين المشتريين نصفين ، ولكل واحد منهما الخيار في إمضاء البيع في نصفه بنصف ثمنه ، واسترجاع باقيه ، أو فسخ البيع فيه ، واسترجاع جميع ثمنه ، لأن البينة مستعملة فيما شهدت به وإنما أمضيت في النصف ، لازدحام الحقين كالعول في الفرائض .

التالي السابق


الخدمات العلمية