الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 360 ] فصل : وإذا تنازعا ثوبا في يد أحدهما منه ذراع ، وفي يد الآخر منه عشرة أذرع كانا في اليد سواء ، ولا يترجح من بيده أكثره ، على من بيده أقله ، لأنه لو تفرد أحدهما باليد لم يقع الفرق بين أن يكون بيده أكثره ، أو أقله .

ولو تنازعا دارا ، وأحدهما في صحنها والآخر في دهليزها ، كانا في اليد سواء .

وقال أبو حنيفة : الجالس في الصحن أحق باليد من الجالس في الدهليز .

وليس بصحيح ، لأنه لو تفرد بالجلوس في الدهليز كانت يده عليها ، كما لو كان في صحنها ، وهكذا لو كان أحدهما على سطحها ، والآخر في سفلها كانا عندنا في اليد سواء ، ولا فرق أن يكون على السطح سترة حاجزة أو لا تكون ، أو على السطح ممرق حاجز من السفل أو لا يكون .

ولو تنازعا متاعا في ظرف ، ويد أحدهما على الظرف ، ويد الآخر على المتاع اختص كل واحد منهما باليد على ما في يده ، ولا تكون اليد على الظرف مشاركة لليد على المتاع ، ولا اليد التي على المتاع مشاركة لليد على الظرف ، لانفصال أحدهما عن الآخر ، ولجواز أن يكون المتاع لواحد والظرف لآخر .

ولو تنازعا عبدا ، ويد أحدهما على ثوبه ، ويد الآخر على ثوبه كانت اليد على العبد يدا على الثوب والعبد ، لأن يد العبد على الثوب أقوى ، فصارت اليد على العبد أقوى ، ولا يكون لصاحب اليد على الثوب يد على العبد ، ولا على الثوب ، لأن للعبد على الثوب يدا وتصرفا ، ولممسك الثوب يد من غير تصرف ، ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر قائدها ، ففيه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : تكون لراكبها دون قائدها ، لأنه مع اليد المشتركة مختص بالتصرف .

والوجه الثاني : هما مشتركان في اليد عليها ، لأن قودها تصرف كالركوب فاستويا ، ولو تنازعا سفينة أحدهما ممسك برباطها ، والآخر ممسك بخشبها ، كانت اليد لممسك الخشب ، دون ممسك الرباط ، لأن الخشب من السفينة والرباط ليس منها ، ولو كان أحدهما راكبها ، والآخر ممسكها ، كانت اليد للراكب ، دون الممسك لأن للراكب تصرفا ليس للممسك .

ولو تنازعا دابة في إصطبل أحدهما ، وأكذبهما عليها ، فإن كان في الإصطبل دواب لغير مالكه ، استويا في اليد عليها ، لأن التصرف في الإصطبل قد صار مشتركا ، وإن لم يكن في الإصطبل دواب غير دواب صاحبه ، كانت اليد لصاحب الإصطبل خاصة لتفرده بالتصرف والله أعلم .

مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو كان الثوب في يدي رجل وأقام كل واحد [ ص: 361 ] منهما البينة أنه ثوبه باعه من الذي هو في يديه بألف درهم ، فإنه يقضي به بين المدعيين نصفين ويقضي لكل واحد منهما عليه بنصف الثمن ( قال المزني ) رحمه الله : ينبغي أن يقضي لكل واحد منهما بجميع الثمن : لأنه قد يشتريه من أحدهما ويقبضه ثم يملكه الآخر ويشتريه منه ويقبضه ، فيكون عليه ثمنان ، وقد قال أيضا لو شهد شهود كل واحد على إقرار المشتري أنه اشتراه أو أقر بالشراء قضى عليه بالثمنين ( قال المزني ) : سواء إذا شهدوا أنه اشترى أو أقر بالشراء " .

قال الماوردي : وهذه هي المسألة الثالثة التي يجتمع فيها مشتر وبائعان وصورتها في رجل بيده ثوب تنازعه رجلان ، فقال له كل واحد منهما ، هذا ثوبي بعته عليك بألف درهم ، وسلمته إليك ولي عليك ثمنه ، وأقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه ، فلا تخلو بينتاهما من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يكون تاريخهما مختلفا ، فتشهد بينة أحدهما أنه باعه عليه في رجب ، وتشهد بينة الآخر أنه باعه عليه في شعبان ، فلا تعارض في البينتين ، لإمكان حملهما على الصحة ، وهو أن يشتريه من أحدهما في رجب ، ويبيعه على الآخر ، ثم يعود فيشتريه منه ، فيصير مشتريا من كل واحد من البائعين . في وقتين بثمنين ، وإذا صح ذلك لزمه الثمنان من غير تكاذب ولا تعارض ، كما لو ادعت امرأة على زوجها أنه نكحها في يوم الخميس على صداق ألف ، ثم نكحها في يوم الجمعة على صداق ألفين ، وأقامت عليه البينة بكل واحد من النكاحين ، يحكم عليه بالصداقين ولا تتعارض فيه البينتان ، لأنه قد يتزوجها في يوم الخميس ، ويخالفها فيه بعد دخوله بها ، ثم يتزوجها في يوم الجمعة فيصح العقدان ويلزمه الصداقان .

كذلك في مسألتنا : يصح فيه البيعان ، ويلزمه الثمنان ، بإمكان الصحة وامتناع التنافي ، وإذا أمكن حمل البينتين على الصحة لم يجز أن يحملا على التنافي والتضاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية