الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا تنازع زيد وعمرو دارا في يد زيد فأقام عمرو البينة ، أن الدار له انتزعت منه الدار ، وسلمت إلى عمرو ، فإن عاد زيد بعد انتزاع الدار من يده ، فأقام البينة أن الدار ملكه ، حكم له بالدار ، وأعيدت إليه وإن لم يكن له في الحال يد ، لأن زوال يده بينة خارج عرف سبب زوالهما ، وصارت له بينة مع يده ، وهي بينة داخل ، فقضى بها على بينة الخارج .

[ ص: 379 ] ولو كانت المسألة بحالها ، فأقام زيد البينة والدار في يده ، بأنه مالكها ، وأقام عمرو البينة أنه ابتاعها من زيد ، حكم بها لعمرو ، لأن بينته قد أثبتت لزيد ملكا ، زال عنه إلى عمرو ، بابتياعها ، فكانت أزيد بيانا ، وأثبت حكما ، فلو أقام زيد البينة والدار في يده ، أنه مالكها ، وأقام عمرو البينة أن حاكما حكم له على زيد بملكها ، كشف عن حكم الحاكم بملكها لعمرو ، فإن بان أنه حكم بها له ، لأن زيدا لم يكن له في تلك الحال بينة نزعها من يده بالبينة ، وجب أن ينقض حكم الحاكم بها لعمرو ، لأن زيدا قد أقام بها بينة مع يده وإن بان أنه حكم بها لعمرو على زيد لعدالة بينة عمرو وجرح بينة زيد نظر ، فإن أعاد زيد تلك البينة بعد أن ظهر عدالتها حكم بها لعمرو دون زيد ، لأن البينة إذا ردت بالجرح في شهادة لم تسمع منها تلك الشهادة بعد التعديل ، وكان حكم الحاكم بها لعمرو ماضيا ، وإن أقام زيد بينة غير تلك المردودة ، حكم بالدار لزيد ، ونقض حكم الحاكم بها لعمرو ، وإن بان أن الحاكم حكم بها لعمرو على زيد مع بينة كل واحد منهما لأنه كان ممن يرى أن يحكم ببينة الخارج على بينة الداخل ، كرأي أهل العراق .

ففي نقض حكم الحاكم بها لعمرو وجهان :

أحدهما : لا ينقض ، لنفوذه باجتهاده فلم ينقض ، وتقر الدار في يد عمرو .

والوجه الثاني : ينقض حكم بينة الخارج على بينة الداخل ، ويحكم بها لزيد ، لأن هذا الاختلاف وإن لم يكن فيه نص ، فالقياس فيه جلي ، والاجتهاد فيه قوي ، فنقض بأقوى الاجتهادين أضعفهما ، وإنما لا ينقض الاجتهاد مع التكافؤ ، واحتمال الترجيح . وإن بان أن الحاكم حكم بها لعمرو على زيد ببينته ، ولم تسمع بينة زيد ، نظر في الحاكم ، فإن كان يرى أن لا يحكم ببينة الداخل مع بينة الخارج ، ففي نقض حكمه ما قدمناه من الوجهين ، كما لو سمعها ولم يحكم بها .

وإن كان يرى أن بينة الداخل أولى بالحكم ، فلم يسمعها ، بعد سماع بينة الخارج ، نقض حكمه لعمرو وحكم بها لزيد ، وإن لم يبن بعد الكشف السبب الذي أوجب الحكم بها لعمرو ، دون زيد مع ثبوت يد زيد وبينته ، ففي نفوذ الحكم بها لعمرو وجهان :

أحدهما : أن الحكم بها نافذ ممضي ولا ينقض إلا أن يعلم ما يوجب نقضه على ما شرحناه في أحد الأسباب الموجبة لنقضه ، لأن الظاهر من حكم الحاكم نفوذه على الصحة ، حتى يعلم فساده .

والوجه الثاني : ينقض حكم الحاكم بها لعمرو تغليبا ليد زيد ، وبينته ، حتى يعلم أن حكم الحاكم نفذ على وجه الصحة دون الفساد لاحتمال تردده بين الأمرين وهذا قول محمد بن الحسن ، ولئن كان له وجه ، فهو ضعيف . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية