الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر وجوب الحكم بالقيافة في الأنساب ، إذا اشتبهت بعد الاشتراك في أسباب لحوقها ، فالكلام فيها يشتمل على أربعة فصول :

أحدها : صفة القائف .

والثاني : صفة القيافة .

والثالث : الموجب لها .

والرابع : نفوذ الحكم بها .

فأما الفصل الأول : في صفة القائف ، فيشتمل على أربعة شروط ، يصح أن يكون بها قائفا وهو : أن يكون رجلا حرا ، عدلا ، عالما ، لأنه متردد الحال بين حكم ، وشهادة ، فاعتبرت فيه هذه الشروط الأربعة ، فإن كان امرأة أو عبدا ، أو فاسقا أو غير عالم لم يجز أن يكون قائفا ، وعلمه ضربان :

أحدهما : علمه بالقيافة .

والثاني : علمه بالفقه .

[ ص: 387 ] فأما علمه بالقيافة ، فهو المقصود منه ، فلا بد أن يكون معتبرا فيه ومختبرا عليه ، واختباره فيه أن يجرب في غير المتنازعين ، بأن يضم ولد معروف النسب ، إلى جماعة ليس له فيهم أب ، ويقال له : من أبوه منهم ؟ ولا يقال ألحقه بأبيه منهم ، لأنه ليس له فيهم أب ، فإذا قال : ليس له فيهم أب ، ضمه ذلك الولد إلى جماعة له فيها أب ، وقيل له : ألحقه بأبيه منهم ، لأن له فيهم أبا ، فإن ألحقه بأبيه منهم ، عرف أنه عالم بالقيافة .

وإن أخطأ في الأول فألحقه بواحد منهم ، أو أخطأ في الثاني فألحقه بغير أبيه منهم ، علم بأنه غير عالم بالقيافة ، ولا يقنع ، إذا أصاب مرة أن يجرب في ثانية ، وثالثة ، لأنه قد يجوز أن يصيب في الأولة اتفاقا ، وفي الثانية ، ظنا ، وفي الثالثة يقينا ، فإذا وثق بعلمه عمل على قوله ولا يلزم أن يختبر ثانية بعد المعرفة بعلمه .

وأما علم الفقه فإن نزل به منزلة المخير لم يفتقر إلى علم الفقه وإن نزل منزلة الحاكم على ما سنذكره ، من الفرق بين حالتيه اعتبر فيه من علم الفقه ، ما اختص بلحوق الأنساب ، ولم يعتبر فيه العلم بجميع الفقه ، لأن اعتباره في القافة متعذرا ، ولا يلزم أن يكون في بني مدلج ، ولا من العرب ، إذا تكاملت فيه شروط القيافة ، ووهم بعض أصحابنا ، فقال : لا يصح أن يكون إلا من بني مدلج ، لاختصاصهم بعلم القيافة طبعا في خلقهم ، وهذا لا وجه له لأن مقصود القيافة قد يجوز أن يعدم في بني مدلج ، ويوجد في غير بني مدلج ، وإن كان الأغلب وجوده في بني مدلج .

التالي السابق


الخدمات العلمية