الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثالث : في الموجب لاستعمال القافة ، فالتنازع في الولد على ضربين :

أحدهما : أن يكون من لقيط لا يعرف للمتنازعين فيه فراش ، فلا يخلو حال الولد من أن يكون صغيرا ، أو كبيرا ، فإن كان كبيرا بالغا عاقلا ، توجهت الدعوى عليه ، وكان الجواب مأخوذا منه ، فإن صدق أحدهما ، وكذب الآخر ، لحق بالمصدق ، ولا يمين عليه للمكذب ، لأنه لو رجع عن إقراره لم يقبل ، ولم يغرم وإن كذبهما حلف لهما ، ولم يلحق بواحد منهما ، لأنه لو أقر قبل التكذيب قبل إقراره ، وإن قال : أنا ابن واحد منكما ولست أعرفه بعينه ، رجع إلى القافة في إلحاقه ، بأحدهما فإن عدموا أخذ الولد جبرا بالانتساب إلى أحدهما غيبا ، فإن سلمه أحد المتنازعين إلى الآخر ، فإن كان قبل القافة والانتساب ، جاز وصار ولدا لمن سلم إليه ، وإن كان بعد الحكم بنسبه ، إما بعد القافة ، أو بعد الانتساب لم يجز .

وإن كان الولد صغيرا غير مميز ، أو كان بالغا مجنونا ، استعمل فيه القافة ، ولم يعتبر فيه إقرار ولا فراش ، فإن ألحقه القافة بأحدهما لحق به وإن عدموا أو أشكل عليهم ، وقف إلى زمان الانتساب ، فإن سلمه أحدهما إلى الآخر ، كان على ما قدمناه من جوازه قبل إلحاقه ، وبطلانه بعد إلحاقه .

والضرب الثاني : أن يكون الولد عن فراش وقع فيه التنازع ، فاستعمال القيافة فيه معتبر ، بثلاثة شروط :

أحدها : أن يكون الفراش مشتركا بين المتنازعين فيه ، فإن تفرد به أحدهما ، كان ولدا لصاحب الفراش من غير قيافة ، وإن كان شبهه بغير صاحب الفراش أقوى .

فلو أن زوجا شك في ولده من زوجته ، فإن أراد أن يستعمل فيه القافة لم يجز ، لأن القافة لا تنفي ما لحق بالفراش .

والشرط الثاني : أن يكون اشتراكهما في الفراش موجبا للحوق الولد بكل واحد منهما ، لو انفرد ، فإن كان لا يلحق بكل واحد منهما لو انفرد ، لأنهما زانيان بطلت دعواهما فيه ، ولم يلحق بواحد منهما وإن كان يلحق بأحدهما دون الآخر ، لأن أحدهما زان ، والآخر ليس بزان ، بطل تنازعهما ، ولم تستعمل القافة فيه ، وكان لاحقا بصاحب الفراش ، دون الزاني لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " .

والشرط الثالث : أن يثبت فراش كل واحد منهما وثبوته ، معتبر بحال المتنازعين ، فإن كان أحدهما زوجا ، والآخر ذا شبهة ، ثبت فراش ذي الشبهة ، بتصديق الزوج ، ولم يعتبر فيه تصديق الموطوءة ، لأن الفراش للزوج ، وإن لم يكن [ ص: 390 ] فيهما زوج اعتبر فيه تصديق الموطوءة ، لكل واحد منهما إن كانت خالية من زوج ، وإن كانت ذات زوج ، اعتبر فيه تصديق زوجها دونها ، لأنه أملك بالفراش فيها ، وصار الزوج داخلا معهما في التنازع ، لأن له فراشا ثالثا ، ولا يعتبر تصديق كل واحد منهما لصاحبه ، لأن ثبوت النسب حق له وعليه .

فلو أنكرتها الموطوءة ، أو زوجها لم يثبت لواحد منهما الفراش ، وعلى منكرها اليمين .

ولو ادعت الموطوءة ، أو زوجها عليها الفراش ، وأنكراه فالقول قولهما مع أيمانهما ، ولا فراش على واحد منهما .

فإذا ثبت فراشهما بما ذكرنا من التصادق فيه أو قامت به بينة مع التجاحد على الوجه الذي تقوم به البينة في مثله ، تكاملت شروط الاشتراك في لحوق النسب وصار الفراش حقا لهما ، وحقا عليهما ، فلا يقف على مطالبتهما ولا يجوز لواحد منهما أن يسلم لصاحبه ، لما فيه من الحق عليه ، ويستوي فيه حكم الولد صغيرا وكبيرا ، ويستعمل القافة في إلحاقه بأحدهما ، إذا طولب بها .

والذي يستحق المطالبة بها من كان قوله في الفراش معتبرا ، والولد إذا كان بالغا فإن لم يطلب الحاكم بها جاز له في حق الصغير أن يستعمل القيافة إذا علم بالحال من غير طلب نيابة عن الصغير ، ولم يكن له أن يستعملها في حق الكبير ، لأنه أخص بطلب حقوقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية