الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن له أخذه من جنسه ، ومن غير جنسه .

قيل له : إن قدرت عليه من جنس حقك ، لم يكن لك أن تعدل إلى غير جنسك ، وكنت في أخذه من غير جنسه متعديا ، فإن كان حقك دراهم لم يكن لك أن تأخذه إلا دراهم ، وإن كان حقك دنانير ، لم يكن لك أن تأخذه إلا دنانير ، وكذلك إن كان حقك برا ، أو شعيرا أخذت جنس حقك من البر ، والشعير .

[ ص: 415 ] وله أن يبيع بوزنه ، وكيله ويصير بأخذه في ضمانه ، وعلى ملكه ، وإن تعذر عليه جنس حقه وعدل إلى غير جنسه جاز ، فإذا أخذه ففي حكم يده وجهان :

أحدهما : أنها يد أمانة ، لا توجب الضمان ، حتى تباع فيستوفي حقه منه كالرهن ، فعلى هذا لو تلف في يده قبل بيعه ، كان حقه باقيا ، وجاز أن يعود إلى مال الغريم ثانية ، فيأخذ منه بقدر دينه .

والوجه الثاني : أن يده ضامنة لما أخذه قبل بيعه ، وبعده بخلاف الرهن ، لأن الرهن عن مراضاة ، وهذا عن إجبار .

فعلى هذا إن تلف في يده كانت قيمته قصاصا عن دينه إذا تجانسا على الصحيح من المذهب .

وإذا كان ما أخذه باقيا ، لم يكن له أن يستبقيه في يده رهنا ، لأن الرهن عقد لا يتم إلا عن مراضاة تبذل وقبول ، فإن استبقاه مع القدرة على بيعه وأخذ حقه من ثمنه ، ضمنه وجها واحدا ، ولا يجوز أن يتملكه من غير بيعه ، فإذا أراد بيعه في حقه ، فلأصحابنا فيه وجهان :

أحدهما : وهو قول أكثرهم ، يجوز أن يتولى بيعه بنفسه ، لتعذر بيع الحاكم له ، إذا تعذرت البينة .

والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة لا يجوز أن يتولى بيعه بنفسه ، لامتناع أن يتفرد ببيع ملك غيره في حق نفسه كالرهن ويتوصل إلى بيع الحاكم له ، بأن يأتمن عليه رجلا ، ويحضره إلى الحاكم ، ويدعي عليه أن له دينا على غريم وقد اؤتمن هذا على ما في يده أن يبيعه في ديني ، وأسأل إلزامه بيع ذلك ، وإلزامه قضاء ديني من ثمنه ، ويعترف الحاضر بما ادعاه من الدين وائتمانه على ما في يده ليباع في دينه ، فيأمر الحاكم ببيعه ، ولا يلزمه أن يسأله الحاكم مع يده واعترافه عن جملة الدين ، وله ملك العين ، فيصح البيع بإذنه ، ويصل صاحب الدين إلى حقه من ثمنه ، وقد حكي عن أبي علي بن أبي هريرة غير هذا ، وأنه يتوصل إليه بأن يدعي الدين على المدفوع ذلك إليه ، ويوافقه على إقراره ، وأن ما بيده ملكه ، حتى يأمره الحاكم ببيعه ، وهذا كذب صراح ، والأول محال محتمل ، وذكر صريح الكذب حرام ، وكذا التحيل الموضوع يتنزه عنه أهل الورع والتحرج ، فدعت الضرورة إلى استعمال الوجه الأول . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية