الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويسر في خسوف الشمس بالقراءة لأنها من صلاة النهار واحتج بأن ابن عباس قال : خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا قال : نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع ، فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قياما طويلا [ ص: 508 ] وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس ، فقال " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ووصف عن ابن عباس أنه قال : كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا لأنه أسر ولو سمعه ما قدر قراءته وروي أن ابن عباس صلى في خسوف القمر ركعتين في كل ركعة ركعتين ثم ركب فخطبنا ، فقال : إنما صليت كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي . قال : وبلغنا عن عثمان أنه صلى في كل ركعة ركعتين " .

قال الماوردي : أما صلاة كسوف القمر فالجهر فيها مسنون إجماعا لأنها من صلاة الليل ، فأما صلاة خسوف الشمس فمذهب الشافعي وأكثر الفقهاء ، أنه يسر فيها بالقراءة . وقال أبو يوسف ومحمد وإسحاق : يجهر فيها بالقراءة . استدلالا برواية عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى لخسوف الشمس فجهر بالقراءة ، ولأنها صلاة نفل كالعيدين .

ودليلنا ما روي عن ابن عباس أنه قال : صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة خسوف الشمس فلم أسمع منه ولا حرفا ، وروي نحوه عن سمرة بن جندب ، ولأنها صلاة نهار يفعل مثلها في الليل فوجب أن يكون من صفتها الإسرار كالظهر والعصر ، ولأنها صلاة لخسوف أحد النيرين فوجب أن تكون سنتها كسنة الصلوات الراتبة في وقتها .

أصله : خسوف القمر .

وأما حديث عائشة رضي الله عنها . فقد روينا عنها خلافه ، على أننا نحمل قولها : جهر على أحد وجهين :

إما على أنه جهر بالآية والآيتين ، أو على أنه أسمع نفسه وذلك يسمى جهرا ، قال ابن مسعود : ما أسر من أسمع نفسه ، وأما قياسهم فمعارض بقياسنا وهو أولى لشهادة الأصول له .

التالي السابق


الخدمات العلمية