الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وحكم هؤلاء العبيد لو لم يعتقهم في مرضه ، ووصى بعتقهم بعد موته ، [ ص: 50 ] وهم جميع تركته كحكمهم لو أعتقهم في مرضه إلا في أربعة أحكام :

أحدها : أن عتقهم في المرض متقدم على الموت ، وفي الوصية متأخر عنه .

والثاني : أن عتق المرض مباشرة ينفذ بلفظه ، وعتق الوصية ينفذ بلفظ الورثة ، فإن امتنعوا استوفاه الحاكم منهم .

والثالث : أن قيمة المعتقين في المرض معتبرة بوقت عتقهم قبل الموت ، وقيمة المعتقين في الوصية معتبرة بقيمتهم وقت الموت على ما سنذكره .

والرابع : أن العتق في المرض يملكون به ما اكتسبوه في حياة المعتق ، وبعد موته ، وكسب من رق منهم يملك المعتق منه ما كسبوه في حياته ، ويضاف إلى تركته ، ويملك الورثة ما اكتسبوه بعد موته ، والعتق بالوصية يوجب أن تكون أكسابهم قبل الموت من تركة الموصي وأكسابهم بعد الموت للورثة ، يستوي فيه كسب من عتق منهم ، ومن رق قبل القرعة للعتق ، ولا يقضى من هذه الأكساب ديون الميت ؛ لأنها حادثة على ملك الورثة ، وحكي عن أبي سعيد الإصطخري أن ديون الميت تقضى من هذه الأكساب الحادثة على ملك الورثة ؛ لأنهم استفادوها من تركة لا يستقر ملكهم عليها ، إلا بعد قضاء ديونها .

ويتفرع على هذا الفصل : إذا أعتق عبدا في مرضه قيمته مائة درهم لا مال له غيره ، فكسب في حياة سيده مائة درهم وبعد موته مائة درهم فالمائة التي كسبها في حياة سيده داخلة في تركته تضم إلى قيمته ، ويدخل بها دور يزيد في عتقه ، والمائة التي كسبها بعد موته خارجة من التركة ، ولا يدخل بها دور ، ولا يزيد بها عتق ، وقدر ما يعتق منه نصفه ، ويملك به نصف كسبه في حياة سيده ، ونصف كسبه بعد موته ، ويرق نصفه للورثة ، ويستحقون به نصف كسبه في حياة سيده ميراثا ، ونصف كسبه بعد موته ملكا ، وبابه في عمل الدور أن يجعل العتق سهما ، والكسب سهما ؛ لأن الكسب مثل قيمة العبد ، ويجعل للورثة سهمين ، ليكونا مثلي سهم العتق ، وتجمع السهام ، وهي أربعة ، وتقسم التركة عليها ، وهما مائتا درهم ؛ لأن قيمة العبد مائة درهم ، وقد ضم إليها الكسب في حياة السيد مائة ، فيكون قسط كل سهم منها خمسين درهما ، وللعتق سهم واحد ، وهو نصف قيمته ، فعتق به نصفه ، وملك به نصف كسبه في حياة السيد ، ورق نصفه للورثة ، وملكوا نصف كسبه في حياة السيد ميراثا ، فصار لهم بالرق والكسب مائة درهم هي مثلا ما عتق من نصفه ، ويكون الكسب بعد موت السيد بين العبد والورثة نصفين ، بحسب ما فيه من حرية ورق .

فلو كانت المسألة بحالها في عتق هذا العبد الذي قيمته مائة درهم ، وكسب العبد في حياة سيده مائة درهم ، وبعد موته مائة درهم ، وكان على السيد مائة درهم [ ص: 51 ] ضم كسب الحياة إلى التركة ، وخرج الكسب بعد الموت منها ، فصارت التركة مائتي درهم يقضى نصفها في الدين ، ويبقى نصفها في العتق والميراث فيعتق منه ربعه ، ويرق ثلاثة أرباعه ، وبابه أن يجعل للعتق سهما ، وللكسب سهما ، وللورثة سهمين ، ويقسم باقي التركة بعد الدين ، وهو مائة على هذه السهام الأربعة يكون قسط السهم منها خمسة وعشرين درهما ، فيعتق منه بسهم العتق ربعه ، ويملك به ربع كسبه ، ويرق للورثة ثلاثة أرباعه ، وهو بخمسة وسبعين درهما ، ويملكون به ثلاثة أرباع كسبه ، وهو خمسة وسبعون درهما ، يصيران مائة وخمسين درهما يقضى منهم الدين مائة درهم ، ويبقى مع الورثة خمسون درهما هي مثلا ما خرج بالعتق المقدر بخمسة وعشرين درهما ، وتكون المائة المكتسبة بعد موت السيد بين العبد والورثة بقدر الحرية والرق ، يملك العبد ربعها بقدر حريته ، ويملك الورثة ثلاثة أرباعها كسبا مستفادا ، بما ملكوه من رقه لا تدخل التركة ، ولا يقضى منها الدين .

فأما على قول أبي سعيد الإصطخري : يقضى الدين منها ، فيدخل بها دور يزيد في العتق لزيادة ما يقضى به الديون وزيادة دورها بثلثها ؛ لأن المحكي عن أبي سعيد أن الكسب بعد الوفاة يقضى به الديون ولا ينفذ به الوصايا ، فتجعل المائة المكتسبة بعد الموت أثلاثا ، ثلثا للعبد بكسب عتقه ، وثلثا للورثة بكسب رقه ، وثلثا يضاف إلى التركة لقضاء دينه ، فتصير التركة مع هذا الثلث مائتين وثلاثة وثلاثين وثلثا ، يقضى منها الدين مائة ، ويبقى من التركة بعد قضائها مائة وثلاثة وثلاثون وثلث تقسم على أربعة هي سهم للعتق وسهم للكسب وسهمان للورثة ، يخرج قسط السهم ثلاثة وثلاثون وثلث فأعتق منه بقدرها ، وهو الثلث ، ويملك به ثلث كسبه ، ويرق للورثة ثلثاه ، وهو مثلا ما عتق منه ، وقد ملك من المكتسب بعد الموت ثلثه ، وملك الورثة ثلثيه ، وهما مستفادان من غير التركة .

قلت : كأنه جعل جزء من العبد يقضى به الدين ، فهو لما يستحق بذلك الجزء من كسبه في حياة سيده ، وبعد موت السيد للدين ثم جعل سهما من رقبته ببيعه سهما من الكسب بقدر ثلاثة أسهم ما بقي ، ولو كسب بعد الموت مائة لصار في ملكه الذي مع ربع كسبه ، وبقية كسبه بعد الموت ، فسقط ؛ لأنه ليس من التركة ، فيبقى ما يبقى ؛ لأنه عبد أعتقه في مرض موته ، وبقية كسبه في حياة سيده .

التالي السابق


الخدمات العلمية