الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا أعتق في مرضه عبدا قيمته مائة درهم لا مال له غيره ، ومات العبد في حياة سيده ففي عتقه ونفوذه ثلاثة أوجه :

أحدها : وهو قول أبي العباس بن سريج أنه قد نفذ عتقه في جميعه ، ويموت حرا قد جد ولاء ولده ، وموروثا ينتقل كسبه إلى ورثته ، وإن لم يخرج من ثلث سيده ؛ لأنه مات قبل حقوق الورثة ، فلم تجز فيه المواريث ، وصار كعتق الصحيح .

والوجه الثاني : أن عتقه قد بطل ، ويموت عبدا ، وينتقل كسبه إلى سيده بالملك ، ولا يجر ولاء ولده ؛ لأن عتقه في المرض وصية تبطل بموت الموصى له قبل موت الموصي .

والوجه الثالث : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، والمعمول عليه من قوله : أن موته لا يرفع حكم العتق في حقه ويرفع عنه حكم الرق في حق ورثته ، وعتقه ليس بوصية له إن جرى في اعتباره من الثلث مجرى الوصية ؛ لأنه لا يراعى فيه قبوله ، ولا يؤثر فيه رده ، وعلى هذا تختلف أحكامه باختلاف أحواله ، فإن مات عن غير كسب كان ثلثه حرا ، وثلثاه مملوكا ، يجر بثلثه ثلث ولاء ولده ، وإن مات عن كسب فله حالتان : إحداهما : ألا يكون له وارث غير سيده ، فينظر في قدر كسبه ، فإن كان مائتي درهم ورثها السيد ، وعتق جميعه ؛ لأنه قد صار إلى التركة مثلا قيمته ، وإن كان كسبه مائة درهم مات نصفه حرا ونصفه مملوكا ، وكانت المائة للسيد نصفها بحق الولاء ، ونصفها بحق الملك ، وهي مثلا قيمة نصفه .

والحالة الثانية : أن يكون له وارث غير سيده ، فإن قيل بمذهب الشافعي في [ ص: 54 ] القديم أن المعتق بعضه إذا مات لم يورث ، وكان ماله لسيده ، كان حكمه على ما مضى إذا لم يخلف وارثا غير سيده .

وإن قيل : بمذهبه في الجديد أنه يكون موروثا دخل الدور في عتقه بقدر كسبه ، فإن كان كسبه مائتي درهم عتق نصفه ، ورق نصفه .

وبابه في حسابه أن يجعل له برقبته سهما لعتقه ، وبكسبه سهمين لورثته ؛ لأن الكسب ضعف قيمته ، ويجعل لورثة سيده سهمين ضعف قيمته ، وجمع سهم ورثته وسهمي ورثة سيده ، وهي أربعة ، ولا تجمع إليها سهم الرقبة لتلفها ثم أقسم الكسب عليها ، وهو مائتان يخرج قسط السهم خمسين درهما ، فيعتق منه بقدرها ، وهو نصفه يملك وارثه به نصف كسبه ويملك ورثة سيده نصف كسبه ، ويرق نصفه ، وهو مثلا ما أعتق من نصفه .

ولو كان كسب مائة درهم عتق ثلثه ، وبابه أن جعل له برقبته سهما لعتقه وبكسبه سهما لورثته ، ولورثة سيده سهمين ، وتجمع بين سهم ورثته وسهمي ورثة سيده ، وهي ثلاثة ، وتقسم ذلك عليها ، وهو مائة يخرج قسط السهم ثلاثة وثلاثين درهما وثلثا ، فيعتق منه بقدرها ، وهو ثلثه يملك ورثته به ثلث كسبه ، ويملك ورثة سيده ثلثي كسبه برق ثلثيه ، وهو مثلا ما عتق من ثلثه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية