الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : ( فأما كل ما كان للموصي أن يرجع فيه من تدبير وغيره فكله سواء " .

قال الماوردي : وهذه المسألة مصورة في الوصايا بالعتق والعطايا بعد الموت ، وتنقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تشتمل على العتق وحده .

والثاني : أن تشتمل على العطايا وحدها .

[ ص: 66 ] والثالث : أن يجتمع فيها العتق والعطايا .

فأما القسم الأول : في اشتمالها على العتق وحده ، فعلى ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يكون كله عتقا ، فيقول : اعتقوا عني سالما ، ثم يقول : اعتقوا عني غانما ، ثم يقول : اعتقوا عني زيادا ، فكلهم في الوصية بعتقهم سواء لا يقدم فيهم من قدم الوصية به ، بخلاف عتقه الناجز في مرضه الذي تقدم فيه من قدمه .

والفرق بينهما : أن العتق بالوصايا مستحق بالموت الذي يتساوون فيه ، وفي المرض مستحق باللفظ الذي يقدمون به ، فلذلك قدم في المرض عتق الأول ، ولم يقدم في الوصية عتق الأول ، وأقرع بينهم إن عجز الثلث عنهم ، وأكساب جميعهم قبل الموت تركة .

والضرب الثاني : أن يكون كل عتقه تدبيرا ، فيقول : إذا مت فسالم حر ، ثم يقول إذا مت فغانم حر ، ثم يقول : إذا مت فزياد حر ، ففيه وجهان :

أحدهما : أنهم يتقدمون في الثلث على ترتيب من قدم ، فيعتق الأول إن استوعب الثلث ، ورق الثاني والثالث .

ولو اتسع الثلث لاثنين عتق الأول والثاني ، ورق الثالث اعتبارا بالعتق في المرض ، ولا تستعمل فيهم القرعة ؛ لأنه عتق ناجز بالموت لا يقف على الورثة .

والوجه الثاني : وهو المذهب : أنهم سواء لا يتقدمون على الترتيب لوقوع ذلك بالموت الذي يتماثلون فيه .

فإن عجز الثلث عنهم ، ولم يتسع لجميعهم ففيه وجهان :

أحدهما : وهو المذهب : أنه يقرع بينهم ، ويعتق منهم من احتمله الثلث ، ويسترق من عجز عنه .

والوجه الثاني : أنه يعتق من كل واحد منهم قدر ما احتمله الثلث ، ويسترق باقيه ، ولا يقرع بينهم في تكميل الحرية .

فإن احتمل الثلث نصف قيمتهم عتق من كل واحد نصفه ، ورق نصفه ، وإن احتمل الثلث ربع قيمتهم عتق من كل واحد ربعه ، ورق ثلاثة أرباعه اعتبارا بالوصايا ، والأول أصح لفرق ما بين العتق والوصايا .

والضرب الثالث : أن يكون عتقه مشتملا على وصية بالعتق ، وعلى تدبير يتحرر بالموت ، ففيه قولان :

[ ص: 67 ] أحدهما : يقدم التدبير على العتق ، لتقدم نفوذه بالموت ، فإن استغرق الثلث بطل به عتق الوصية .

والقول الثاني : وهو الظاهر من المذهب : أنهما سواء ؛ لأن عتق جميعهم مستحق بالموت ، فإن ضاق الثلث عن جميعهم أقرع بينهم ، وفي القرعة وجهان :

أحدهما : يفرد كل فريق ، ويقرع بين عتق التدبير ، وعتق الوصية ، فإذا وقعت قرعة العتق على أحدهما ، وقد استوعب الثلث عتق ورق الفريق الآخر وصية كان أو تدبيرا .

والوجه الثاني : يجمع في القرعة بين الفريقين واستوعب بالثلث من وقعت القرعة عليه من كل واحد من الفريقين ، ورق من عداه من الفريقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية