الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا تزوج العبد معتقة عليها ولاء ، وأولدها ابنا دخل في ولاء أمه ، ثم اشترى الابن أباه عتق عليه ، وكان له ولاؤه ، وفي جره لولاء نفسه من معتق أمه وجهان : أحدهما : لا يجره بعتق أمه ؛ لأنه لا يملك ولاء نفسه ، ويكون ولاؤه باقيا لمعتق أمه ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي لأنه لا يعقل عن نفسه ، ولا يرثها ، وهو محكي عن أبي حنيفة .

والوجه الثاني : يجر ولاء نفسه بعتق أبيه ، ولا يملكه على نفسه ، ولكن يزيل به الولاء عن نفسه ، ويصير به حرا لا ولاء عليه ؛ لأن عتق الأب يزيل الولاء عن معتق الأم ، وهذا قول أبي العباس بن سريج ، فعلى هذا لو أولدها ابنتين فاشترت إحداهما أباها عتق عليها ، وكان لها ولاؤه ، وجرت إلى نفسها ولاء أختها ، وفي جرها لولاء نفسها ما قدمناه من الوجهين :

أحدهما : لا تجره ، ويكون باقيا عليها لمعتق أمها .

والوجه الثاني : تجره ، ويسقط به الولاء عنها .

فإن مات الأب كان ثلثا ميراثه بين بنتيه نصفين بالنسب ، والثلث الباقي لبنته المعتقة بالولاء ، فإن ماتت بعد الأب البنت التي ليست بمعتقة كان لأختها المعتقة نصف ميراثها بالنسب ، ونصفه الباقي بالولاء الذي جرته من معتق أمها ، ولو كانت الميتة بعد أبيها هي البنت المعتقة ، وخلفت أختها كان لأختها نصف ميراثها .

وفي نصفه الباقي وجهان :

أحدهما : لمولى أمها إذا قيل : إنها لا تجر ولاء نفسها .

والوجه الثاني : لبيت المال : إذا قيل : إنها قد جرت ولاء نفسها ، ولو اشترت [ ص: 98 ] البنتان أباهما عتق عليهما ، وكان ولاؤه بينهما ، وجرت كل واحدة منها نصف ولاء أختها عن معتق أمها إليها ، فصار لكل واحدة منهما نصف ولاء الأخرى ؛ لأن لها نصف ولاء الأب ، وفي النصف الباقي وجهان :

أحدهما : لمعتق الأم إذا قيل : إنها لا تجر ولاء نفسها .

والوجه الثاني : ساقط عنها إذا قيل إنها قد جرت ولاء نفسها ، فعلى هذا لو مات الأب كان ميراثه بينهما ، ثلثاه بالنسب ، وثلثه بالولاء ، ولو ماتت بعده إحدى البنتين كان لأختها ثلاثة أرباع ميراثها ، نصفه بالنسب ، وربعه بالولاء ؛ لأن لها نصف ولائها ، وفي الربع الباقي وجهان :

أحدهما : لمولى أمها إذا قيل : إنها لا تجر ولاء نفسها .

والوجه الثاني : لبيت المال إذا قيل إنها قد جرت ولاء نفسها .

وحكى الربيع في مختصره ، والبويطي عن الشافعي أن للأخت الباقية سبعة أثمان ميراث الميتة ، وثمنه الباقي لمعتق الأم ، وهو خطأ منهما على الشافعي ، وإنما قال الشافعي هذا الجواب في غير هذه المسألة ، وهو أن تموت إحدى البنتين قبل الأب ، فيرثها الأب ، ثم يموت الأب ، فيكون لبنته الباقية نصف ميراثه بالنسب ، ونصفه الباقي لمواليه ، وهما بنتاه ، الحية والميتة ، فتأخذ الحية نصفه ، وهو الربع ؛ لأن لها نصف ولائه ، ونصفه الباقي ، وهو الربع لموالي بنته الميتة ، وهم أختها الحية ، وموالي أمها ؛ لأن الحية قد جرت نصف ولاء الميتة ، فتأخذ به نصف هذا الربع ، وهو الثمن ، فيصير لها من مال أبيها سبعة أثمان نصفه بالنسب ، وربعه بالولاء على الأب ، وثمنه بجر الولاء من الأب ، ويكون ثمنه الباقي لمولى الأم في أحد الوجهين ولبيت المال في الوجه الثاني ، فغلط الربيع والبويطي ، فنقلا هذا الجواب إلى التي تقدمها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية