الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما ذكرناه ، فصورة المسألة في عبد بين شريكين قالا : إذا متنا فأنت حر لم يعتق حصة واحد منهما إلا بموتهما ، سواء اتفقا على القول في حالة واحدة ، أو تقدم فيه أحدها على الآخر ؛ لأن كل واحد منهما علق عتق حصته بصفتين هما : موته وموت شريكه ، فلم يعتق بموت أحدهما لأن موته إحدى الصفتين في عتقه ، وكانت حصة كل واحد منهما مترددة بين أن يعتق عليه عن وصيته بعد الموت إن تقدم موته ، وبين أن يعتق عليه بتدبير يقع بالموت إن تأخر موته ، وإذا كان كذلك لم يخل موتهما من أن يختلف ، أو يتفق . فإن اتفق موتهما معا في حالة واحدة عتق عليهما وفي حكم عتقه عليهما وجهان :

أحدهما : عتق عليهما تدبيرا ، لاتصال عتقه بموته .

والوجه الثاني : عتق عليهما وصية لا تدبيرا ؛ لأن التدبير ما تفرد عتقه بموته ، ولم يقترن بغيره ، وإن مات أحدهما قبل الآخر ، تعين فيه عتق حصته بالوصية ، ولم تعتق عليه بموته وكان عتقها موقوفا على موت شريكه ، وتعين العتق في الباقي منهما بالتدبير لوقوعه بموته ، ومنع ورثة المتقدم بالموت من بيعه ، وإن كان في الحكم باقيا [ ص: 111 ] على رقه ، وملكوا عليه أكساب حصتهم منه ، فإذا مات الشريك الباقي عتق حينئذ جميعه بوصية الأول ، وتدبير الثاني .

ولو أراد الثاني بيع حصته قبل موته ، جاز ولم يجز بيع ورثة الأول ، ويكون عتق حصة الأول موقوفة على موت الباقي بعد بيعه ، فيعتق بموت الثاني حصة الأول دون الثاني ، ولو كان هذا القول من أحد الشريكين دون الآخر ، فقال واحد منهما : إذا متنا فأنت حر لم تعتق حصته إلا بموتهما سواء تقدم موته أو تأخر ، وكان عتق حصته مترددة بين أن يعتق عليه بالوصية إن تقدم موته ، وبالتدبير إن تأخر موته ، وحصة الشريك الآخر باقية على الرق في حياته ، وبعد موته سواء تقدم موته ، أو تأخر .

وفرع الشافعي على هذا في المبسوط من كتاب " الأم " إذا قال الشريكان في العبد : أنت حبيس على موت الآخر منا ثم تكون حرا ، كان الجواب فيه على ما مضى من عتق حصة الأول بالوصية ، وعتق حصة الثاني بالتدبير ، ويختص هذا التفريع بحكم زائد ، وهو أن يكون كسب العبد بعد موت الأول ، وقبل موت الثاني ملكا للثاني ولا يكون لورثة الأول لأنه لما جعله حبيسا على موت الثاني جعله كالعارية في ذمته مدة حياته ، ولم يكن وقفا ؛ لأن الوقف ما كان مؤبدا ولم يتقدر بمدة ، فإذا قدر بها خرج عن حكم الوقف إلى العواري ، ولم يكن للورثة أن يرجعوا في حكم هذه العارية . وإن جاز الرجوع في العواري لأنها عن وصية ميتهم ، فلزمت بموته كسائر الوصايا ، وليس لهم أن يعتبروا كسب العبد في ثلث الميت ، وإن كان موصى به لدخول كسبه في قيمة رقبته المعتبرة من ثلثه . فلو كانت المسألة بحالها فقتل العبد بعد موت الأول ، وقبل موت الثاني مات بالقتل عبدا ؛ لأن صفة عتقه لم تكمل ، وكانت قيمته بين الثاني ، وورثة الأول ، وكان لهم أن يحتسبوا بما أخذه الثاني من كسب العبد في ثلث الأول ؛ لأنه مأخوذ بوصيته ، ولم يدخل في قيمة رقبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية