الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا يعتق حتى يقول في الكتابة : فإذا أديت كذا فأنت حر ، أو يقول بعد ذلك : إن قولي كاتبتك كان معقودا على أنك إذا أديت فأنت حر ، كما لا يكون الطلاق إلا بصريح أو ما يشبهه مع النية " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، لفظ الكتابة كناية لا يتحرر به العتق عند الأداء ، إلا أن يقترن بها لفظ صريح في العتق . أو نية يريد بها العتق ، فالصريح أن يقول في عقد الكتابة : فإذا أديت آخرها فأنت حر ، والنية أن يقول بعد الكتابة : قد كان قولي : كاتبتك معقودا على أنك إن أديت آخرها فأنت حر ، فإن لم يقترن بعقد الكتابة أحد هذين لم يتحرر بها العتق .

[ ص: 153 ] وقال أبو حنيفة : لفظ الكتابة صريح يتحرر به العتق عند الأداء من غير أن يقترن به تصريح بالعتق ولا نية كالتدبير هو صريح في تحرير العتق بالموت لا يفتقر إلى تصريح ولا نية ، وهذا فاسد ، لأن لفظ الكتابة كناية يتساوى فيه الاحتمال .

فيحتمل أن يريد به كتابة المراسلة ، ويحتمل أن يريد به كتابة المخارجة ، ويحتمل أن يريد كتابة العتق ، فلم يجز أن يصير مع احتماله صريحا وجرى مجرى قوله في الطلاق : أنت خلية ، أو بريئة .

فأما لفظ التدبير : فالذي نص عليه الشافعي أن يكون صريحا في العتق كما نص في لفظ الكتابة أنه كناية في العتق فاختلف أصحابنا في اختلاف نصه فيه على ثلاثة مذاهب :

أحدها : أن نقلوا جوابه في التدبير إلى الكتابة وجوابه في الكتابة إلى التدبير وخرجوه على قولين :

أحدهما : أن اللفظ فيهما صريح في العتق على ما قاله في التدبير ولا تفتقر الكتابة إلى نية كما لم يفتقر إليها التدبير .

والقول الثاني : أن اللفظ فيها كناية في العتق لا يقع فيهما إلا بنية أو تصريح على ما قاله في الكتابة ، ولا يقع العتق في التدبير إلا بتصريح أو نية كما لم يصح في الكتابة ، فهذا قول طائفة من المتقدمين .

والمذهب الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أن الشافعي إنما جعل التدبير صريحا في العتق من العالم ، ولو كان من جاهل لكان كناية ، وجعل الكتابة كناية من الجاهل ، ولو كان من العالم لكان صريحا ، فسوى بين لفظ الكتابة والتدبير ، فجعلهما صريحين من العلماء كنايتين من الجهال .

وهذا قول فاسد ، لأن صريح الطلاق وكنايته تستوي في حق العالم والجاهل ، كذلك الكتابة والتدبير .

والمذهب الثالث : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأكثر أصحابنا ، أن الجواب منهما محمول على ظاهره في الموضعين ، فتكون لفظ الكتابة كناية من العالم والجاهل ، والتدبير صريحا من العالم والجاهل .

والفرق بينهما كثرة التدبير وقلة الكتابة ، فصار التدبير لكثرة استعماله في العتق صريحا ، والكتابة لقلة استعمالها فيه كناية .

[ ص: 154 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية