مسألة : قال  
الشافعي   ، رضي الله عنه : "  
ولا بأس أن يكاتبه على خدمة شهر ودينار بعد الشهر     " .  
قال  
الماوردي      : والكتابة تجوز على المنافع كما تجوز على الأعيان لجواز المعاوضة عليها ، ولذلك جاز الصداق بها ، فإذا جمع بينهما في الكتابة فقال : قد كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد الشهر ، ووصف الخدمة بما توصف به الإجارة فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يفصل بين انقضاء شهر الخدمة ، وبين محل الدينار الذي بعده ، ولو بيوم ، فيجعله مستحقا بعد انقضاء يوم من دخول الشهر الثاني ، فتصح هذه الكتابة ، لأنها على نجمين وإن كانا من جنسين متغايرين ، وتغاير أجناس العوض في العقد لا تمنع من صحته كما لا يمنع منها تغاير أجناس المعوض .  
فإن قيل : فهلا كانت هذه الكتابة فاسدة ، لأنها معقودة على نجمين :  
أحدهما : حال وهو الخدمة .   
[ ص: 155 ] والثاني : مؤجل وهو الدينار .  
قيل : لا يلزم هذا ، وعنه جوابان :  
أحدهما : أن الخدمة ليست حالة وإن كان ابتداؤها من حين العقد ، لأنها منتظرة تقبض حالا بعد حال .  
والثاني : أن الكتابة على الحال لم تصح ، لتعذر الأداء على المكاتب ، والخدمة ليس يتعذر عليه أداؤها وإن حلت ، فافترقا .  
والضرب الثاني : أن يصل بينهما ، ولا يفصل فيجعل محل الدينار في أول الشهر الثاني ، فيصير متصلا بانقضاء الخدمة في آخر الشهر الأول ، ففيه لأصحابنا وجهان : أحدهما : حكاه  
أبو إسحاق المروزي   عن بعض المتقدمين من أصحابنا أن الكتابة باطلة ، لأن اتصال أحد النجمين بالآخر يجعلهما نجما واحدا حتى يكون بينهما زمان لا يستحق فيه مطالبة .  
والوجه الثاني : وهو قول  
أبي إسحاق المروزي   وأبي علي بن أبي هريرة   أن الكتابة جائزة ، لأن النجمين ما تغاير وقت استحقاقهما ، واستحقاق الدينار في غير الوقت الذي يستحق فيه الخدمة فصارا نجمين ، فلذلك صحت بهما الكتابة ، وعلى تعليل الوجهين لو جعل محل الدينار في شهر الخدمة لم تصح الكتابة ، وقد قاله  
الشافعي   نصا .  
ومن أصحابنا من ركب الباب على الوجه الأول ، وجوز فيه الكتابة وعلل في جوازها بأن ما مضى من شهر الخدمة قبل استحقاق الدينار نجم ، وما بقي منها بعد استحقاقه نجم آخر . وهذا التعليل فاسد ، لأنه لو كاتبه على خدمة شهرين لم تصح لأنها كتابة على نجم واحد ، وليس لقائل أن يقول أجيزها وأجعل كل شهر منها نجما .