الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو كاتب ثلاثة كتابة واحدة على مائة منجمة على أنهم إذا أدوا عتقوا كانت جائزة والمائة مقسومة على قيمتهم يوم كوتبوا فأيهم أدى حصته عتق وأيهم عجز رق " .

قال الماوردي : وصورتها في رجل كاتب ثلاثة أعبد له على مائة دينار منجمة فلا يخلو حال كتابتهم بها من أن يبين كتابة كل عبد من المائة ، أو لا يبين :

[ ص: 159 ] فإن بينها وجعل كتابة أحدهم خمسين دينارا ، وكتابة الثاني ثلاثين دينارا ، وكتابة الثالث عشرين دينارا ، فكتابة جميعهم جائزة باتفاق ، ويكون كل واحد منهم مأخوذا بقدر كتابته يعتق بأدائها ويرق بعجزه عنها ، ولا يعتبر حكم أحدهم بغيره ، وإن أطلق حكم المائة بينهم ، ولم يبين كتابة كل واحد منهم . فقد نص الشافعي رحمه الله في كتاب " الأم " و " الإملاء " ونقله المزني منهما إلى هذا الموضع ، وهو المذهب المعمول عليه أن كتابتهم صحيحة ، وتقسط المائة بينهم على قدر قيمتهم . وقال من الفقهاء معه في رجل باع ثلاثة عبيد له على ثلاثة أنفس على كل واحد منهم عبد يعينه بمائة دينار ، ولم يميز ثمن كل واحد من العبيد أن البيع باطل في الجميع ، لأن ثمن كل واحد من العبيد على مشتريه مجهول ، وجهالة الثمن مبطلة للعقد ، وله فيمن تزوج أربع نسوة على صداق ألف قولان :

أحدهما : بطلان الصداق ، وصحة النكاح ، لأن فساد الصداق لا يوجب فساد النكاح .

والقول الثاني : أن الصداق جائز وتقسط الألف بينهن على قدر مهور أمثالهن ، فلم يختلف أصحابنا في الصداق أنه على قولين ، وإنما اختلفوا في الكتابة والبيع على طريقين :

أحدهما : وهي طريقة أبي العباس بن سريج أنه سوى بين الكتابة والبيع ، ونقل جواب كل عقد منهما إلى الآخر ، وخرجها على قولين :

أحدهما : بطلان الكتابة والبيع على ما نص عليه في البيع .

والثاني : جواز الكتابة والبيع على ما نص عليه في الكتابة ، لأنه يفضي إلى جمع بين بيع ثلاثة أعبد على ثلاثة أنفس في عقد ، وبين بيعهم في الكتابة على أنفسهم في عقد .

والطريقة الثانية : وهي طريقة أبي إسحاق المروزي وأبي سعيد الإصطخري وأبي علي بن أبي هريرة أن البيع باطل قولا واحدا ، ولا يتخرج فيه قول الكتابة ، لأن حكمه مجمع عليه ، وفي الكتابة قولان لتخريج قول البيع فيه .

وأحد القولين : أن الكتابة باطلة في الثلاثة كبطلان البيع في الثلاثة ، لأن كل واحد من المكاتبين الثلاثة قد جهل في العقد مال الكتابة ، والجهل بمال الكتابة موجب لفسادها ، كما لو ابتدأ كتابته على مال مجهول .

والقول الثاني : أن الكتابة جائزة في العبيد الثلاثة ، وإن بطل البيع في العبيد الثلاثة .

[ ص: 160 ] والفرق بين البيع والكتابة من وجهين :

أحدهما : أن المقصود بالكتابة القربة والبر فخف حكمها .

والمقصود بالبيع الربح والمغابنة فتغلظ حكمه .

والثاني : أنه قد ينفذ العتق في الكتابة الفاسدة كتفرده في الكتابة الصحيحة ولا ينتقل الملك بالبيع الفاسد كانتقاله بالبيع الصحيح فافترقا لخفة حكم الكتابة ، وتغليظ حكم البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية