الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر أن كتابتهم على قولين فإن قلنا بصحة الكتابة فيهم كانت المائة دنانير مقسطة بينهم على قدر قيمتهم يوم كوتبوا ؛ لأنهم بالكتابة خرجوا عن تصرف السيد وتصرفوا لأنفسهم ، فلذلك اعتبرت قيمتهم وقت الكتابة .

فإذا قيل : إن قيمة أحدهم مائة درهم ، وقيمة الآخر مائتا درهم ، وقيمة الثالث ثلاثمائة درهم كانت المائة دينار مقسطة على ستمائة درهم فيكون على الذي قيمته مائة درهم سدسها وعلى الذي قيمته مائتا درهم ثلثها وعلى الذي قيمته ثلاثمائة درهم نصفها ، وكان كل واحد منهم مأخوذا بالقدر الذي تقسط عليه منها ، ولا يلزمه ضمان ما على صاحبه .

وقال أبو حنيفة ومالك : يلزم كل واحد من الثلاثة ضمان ما على الآخرين ، لأن كتابتهم واحدة فاشتركوا في التزامها وضمان مالها ، وصار كل واحد منهم مأخوذا بجميعها . وهذا غير صحيح ، لأن الاجتماع على الكتابة كالاجتماع على الابتياع ، فلما لم يلزم الضمان في الاجتماع على الابتياع لم يلزم الضمان في الاجتماع على الكتابة ، وإذا اختص كل واحد منهم بالتزام مال كتابته دون صاحبه لم يخل حال الثلاثة في الأداء من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يؤدوا جميعا مال كتابتهم ، فقد عتقوا بالأداء اتفاقا .

والحال الثانية : أن يعجزوا جميعا عن الأداء فيرقوا جميعا إذا أعجزهم السيد وهذا اتفاق أيضا .

والحال الثالثة : أن يؤدي بعضهم ويعجز بعضهم ، فيعتق من أدى ويرق من عجز .

وقال أبو حنيفة ومالك : لا يعتق من أدى إذا عجز بعضهم حتى يؤدوا جميع مال الكتابة ، ولمن أدى أن يجبر من عجز على الكسب والأداء ، فإن أدى المؤدي عن العاجز عتقوا جميعا حينئذ ، ورجع المؤدي على العاجز بما أدى عنه .

قالوا : وإنما لم يعتق أحدهم بالأداء حتى يؤدوا جميعا جميع الكتابة ، اعتبارا [ ص: 161 ] بحكم الصفة في قوله : " فإذا أديتم إلي آخرها فأنتم أحرار . فوجب أن لا يعتق واحد منهم إلا بأداء جميع المال كما لو قال لهم : إذا دفعتم إلي ألف درهم فأنتم أحرار . لم يعتقوا حتى يدفعوا جميع الألف ، ولو دفعوها إلا درهما لم يعتقوا . وكما لو قال لهم : إذا دخلتم الدار فأنتم أحرار . لم يعتق أحد منهم بدخوله ، حتى يدخلوها جميعا ، فيعتقوا حينئذ .

كذلك في الكتابة .

وهذا الذي قالاه غير صحيح لأن في الكتابة معاوضة وصفة فإذا صحت الكتابة غلب فيها حكم المعاوضة ، وإذا فسدت غلب فيها حكم الصفة . ألا ترى أن السيد لو أبرأ مكاتبه من مال الكتابة عتق ، وإن لم توجد صفة الأداء ، ولو مات السيد فأداها المكاتب إلى ولده عتق ، وإن لم توجد الصفة تغليبا لحكم المعاوضة فبطل ما قالاه ، وخالف مجرد العتق بالصفات لما ذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية