الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإن كان اختلافهم بعد العتق ، وصورته أن يؤدوا جميع المائة فيعتقوا بها في الظاهر ، ثم يدعي من قلت قيمته التساوي ليرجع بالباقي ، ويدعي من كثرت قيمته التفاضل على قدر القيم ، ليتحرر عتقه بأدائه فينظر في دعوى من قلت قيمته فيما ادعاه من الفاضل عنها ، فإن ادعى أنه أداه عمن كثرت قيمته قرضا عليه يأخذه برده ، فالسيد خارج من تنازعهم ، ولا يكون في هذه الدعوى خصما لهم ، وقد عتقوا جميعا بذلك الأداء .

وإن ادعى أنه دفع الفضل إلى السيد قرضا عليه ، أو وديعة عنده صار السيد في هذا التنازع خصما لهم ، فإن صدق الدعوى لزمه الرد ، وإن أكذبها وصدق من كثرت قيمته في عتقه بها صار داخلا في التنازع والاختلاف ، وفيه وجهان :

أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وقد أشار إليه الشافعي في موضع من كتاب الأم : أن القول فيه قول من كثرت قيمته مع يمينه ، ويكون المال المؤدى على قدر قيمتهم ، ولا تراجع فيه اعتبارا بالعرف في الدين أن المؤدى فيه بقدر الدين ، فجاز أن يكون العرف في هذا الاختلاف معتبرا .

ولأن الظاهر من الأداء وقوع العتق به فلم يجز أن يقبل ما خالفه في نقضه .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي حامد الإسفراييني : أن القول فيه قول من قلت قيمته في التساوي ، ورد قول من خالفه في ادعاء التفاضل ، لأن الدعوى إذا ترددت بين يد وعرف غلب فيها حكم اليد على العرف .

[ ص: 164 ] ألا ترى أن دباغا وعطارا ، لو تنازعا دباغة وعطرا لحكم بينهما باليد ، وإن كان العطر في العرف للعطار والدباغة للدباغ ، ولأن رجلين لو اشتريا دارا بألف لأحدهما ربعها وللآخر ثلاثة أرباعها ، ودفعا إلى بائعها ألفا ، ثم اختلفا فقال صاحب الربع : الألف التي دفعناها بيننا نصفين فلي الرجوع بالباقي .

وقال صاحب الثلاثة الأرباع : إننا دفعناها على قدر ما علينا ، فلا تراجع ، فالقول فيه قول من ادعى التساوي اعتبارا باليد دون العرف وفاقا ، كذلك في الكتابة حجاجا ، ثم يكون العتق على الوجهين معا نافذا في الثلاثة ، لأن الزيادة إن ادعيت أداء عن الأكثر قيمة قرضا ، فقد عتق بها ، وإن كانت دينا عليه ، وإن ادعيت وديعة عند السيد أو قرضا فقد صدق السيد للأكثر قيمة على أدائه لها ، واعترف بعتقه بها إلا أن يكون السيد قد أكذبه ، وصدق مدعي التساوي ، فإذا جعل القول قوله على الوجه الثاني لم يعتق الأكثر قيمة بما ادعاه من التفاضل ، وكان على كتابته ، حتى يؤدي بقيتها بعد تساويهم فيها ، ليعتق حينئذ ؛ لأن قوله لم يقبل وسيده لم يصدقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية