الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولو كانت كتابة صحيحة فمات السيد وله وارثان فقال أحدهما : إن أباه كاتبه ، وأنكر الآخر وحلف ما علم أن أباه كاتبه ، كان نصفه مكاتبا ونصفه مملوكا ، يخدم يوما ويخلى يوما ، ويتأدى منه المقر نصف كل نجم لا يرجع به أخوه عليه ، وإن عتق لم يقوم عليه لأنه إنما أقر أنه عتق بشيء فعله أبوه وإن عجز رجع رقيقا بينهما " .

قال الماوردي : وصورتها في عبد مات سيده وخلف ابنين فادعى العبد أن أباهما كاتبه قبل موته على ما ذكره في نجوم وصفها ، فلا يخلو حال الاثنين من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يصدقاه فيصير مكاتبا من أبيهما فإن أدى إليهما عتق ، وكان ولاؤه للأب ينتقل إليهما بالإرث ، وإن عجز رق وصار عبدا لهما .

والحال الثانية : أن يكذباه فيكون القول قولهما بالله إنهما لا يعلمان أن أباهما كاتبه ، لأنها يمين على نفي فعل الغير ، فكانت على العلم دون البت .

فإن نكلا عن اليمين ردت على المكاتب ، وحلف على البت بالله لقد كاتبه أبوهما على ما ادعاه من المال والنجوم ، وثبتت كتابته ، وإن نكل المكاتب كان على رقه .

والحال الثالثة : أن يصدقه أحدهما ويكذبه الآخر ، فتصير حصة المصدق منه ، وهي النصف مكاتبا ويحلف المكذب على العلم ، وتكون حصته وهي النصف رقا ، وإنما لزمت الكتابة في حصة المصدق بإقراره ، لأنه أقر بحق عليه لم يكن له خيار فيه يستضر به ولا ينتفع فوجب أن يكون مأخوذا به .

فإن قيل : فكيف تصح كتابة بعضه ، وهو لو كان بين شريكين لم يكن لأحدهما مكاتبة حصته بغير إذن شريكه وفي جوازها بإذنه قولان ، فهلا كان كذلك في الإقرار .

قيل : لأن كتابة أحد الشريكين عن غير اختيار صاحبه قصد بها تبعيض أحكام العبد مع الضرر الداخل على شريكه ، فمنع ، وليس كذلك في مسألتنا إذا صدق أحد الاثنين ؛ لأنه إقرار منه بواجب عليه لم يبتدئ فيه تبعيض الأحكام وإدخال الضرر ، فكان إقراره ماضيا ، فإذا نفذ إقرار المصدق في حقه نظر فإن كان عدلا جاز أن يشهد [ ص: 176 ] على أخيه بالكتابة مع عدل آخر ، لأنها شهادة لا يجر بها نفعا ولا يدفع بها عن نفسه ضررا فقبلت ، ولا يجوز أن يحكم فيه بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين ، لأنها بينة يقصد بها العتق ، فلم تثبت إلا بشاهدين ، فإذا شهد الآخر مع غيره صارت حصة المكذب مكاتبة ، وكملت كتابة جميع العبد فيؤخذ بالأداء إليهما ، وإن لم يكن المصدق عدلا ، أو كان عدلا فلم يوجد غيره شاهدا حلف المكذب على حصته ورقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية