الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا أعتق فبرئ أو أبرئ فعتق ، ففي تقويم باقيه على معتقه ومبرئه إذا كان موسرا قولان ، نص الشافعي عليهما ، ونقلهما المزني إلى جامعه الكبير :

أحدهما : لا تقوم عليه ويكون الباقي على كتابته ، لأن عقد العتق كان من الأب ، ولذلك كان ولاؤه له ، والوارث إنما ورث المال وإن جاز أن يصير مالكا للرقبة بالعجز ، فإذا أبرأ أو أعتق ، كان ذلك منه تنفيذا لعتق الأب ، وتعجيلا لما أخره فلم يقوم عليه لأن العتق منسوب إلى أبيه ، ولم يقوم على الأب لزوال ملكه بالموت ، فعلى هذا تعتق حصة المبرئ في حال الإبراء والعتق ، ويكون نصفه الباقي على كتابته يؤديها إلى الأخ ، فإن أداها عتق نصفه الباقي وصار جميعه حرا وولاؤه للأب ينتقل إليهما بالإرث ، وإن عجز عن باقي كتابته ، رق نصفه ، وكان ملكا للأخ ، وكان ولاء نصفه المعتق للأب ، وهل ينفرد به المعتق ، أو يكون شركة بينهما ، ففيه وجهان مضيا :

أحدهما : يكون بينهما ، لأنه منتقل عن الأب إرثا فلم يجز أن ينفرد به أحدهما .

والوجه الثاني : أنه يكون للمعتق خاصة ، لأن أخاه قد كان قادرا على ملك مثله لو عجل العتق ، أو الإبراء ، فلما اختار رقه ، لم يجز أن ينفرد بالرق ويشارك في الولاء .

والقول الثاني : نص عليه الشافعي في الأم والإملاء وأكثر كتبه أنه يقوم على المعتق باقيه ، لأنه بتعجل العتق عادل عن عتق الأب فصار منسوبا إليه ، فاقتضى أن يكون مأخوذا بحكم سرايته لعتقه ويساره ، فعلى هذا هل يتعجل بسراية عتقه في الحال ، أو تكون موقوفة على العجز ؟ فيه قولان :

أحدهما : تتعجل السراية لطروئها على محل يسري فيه العتق ، فصارت كالسراية في عتق أحد الشريكين .

والقول الثاني : أنها تكون موقوفة على عجز المكاتب ، لأن حق الأب في عتقه وملك ولائه أسبق ، فلم يجز إبطاله إلا بعد العجز عنه ، فعلى هذا إذا قلنا بتعجيل السراية [ ص: 179 ] أخذ المعتق بقيمة حصة أخيه في وقت عتقه ، وبماذا يقع العتق في هذا النصف المقوم ؟ على ثلاثة أقاويل :

أحدها : بلفظ المعتق ، ويكون مأخوذا بالقيمة بعد نفوذ العتق .

والقول الثاني : يقع باللفظ وأداء القيمة ويكون ذلك النصف قبل دفع قيمته على رقه .

والقول الثالث : أن عتقه يكون موقوفا مراعى ، فإن دفعت القيمة بان أنه وقع بنفس اللفظ ، وإن لم يدفعها بان أنه لم يعتق ، وعلى أي الأقاويل عتق فولاء هذا النصف المقوم يكون للمعتق خاصة ، لأنه عتق بالتقويم عليه لا بالكتابة . فأما ولاء نصفه الذي أعتقه فللأب ، وهل ينفرد به المعتق ، أو يكون شركة بين الأخوين على ما مضى من الوجهين ؟ وإن قلنا : إن السراية موقوفة على العجز انتظر بها أداء المكاتب ، فإن أدى كتابة باقيه ، عتق ولا تقويم فيه ، وكان جميع ولائه للأب ينتقل إلى الأخوين نصفين ، وإن عجز عن كتابة باقيه ، قوم حينئذ لوقته ، ووقع العتق هاهنا باللفظ مع أداء القيمة قولا واحدا ، لأنه لما وقف بعد اللفظ امتنع أن يقع به ، ولما وقف على أداء الكتابة دون القيمة ، امتنع أن يكون مراعى بدفع القيمة ، وثبت أنه واقع بأدائها مع اللفظ المتقدم عليها . وإذا كان بذلك كان ولاء نصفه المقوم مختصا به لا حق فيه لأخيه ، وفي ولاء ما باشره من العتق والإبراء وجهان على ما مضى . فيصير في أحد الوجهين مالكا لجميع ولائه ، وفي الوجه الثاني مالكا لثلاثة أرباعه إن باعه ، وأخوه مالكا لربعه . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية