الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا ومات المكاتب قبل الأداء مات عبدا [ سواء كان الباقي قليلا أو كثيرا ، ترك وفاء أو لم يترك ، خلف ولدا أو لم يخلف . وقال أبو حنيفة : إن لم [ ص: 182 ] يخلف وفاء مات عبدا ، وإن خلف وفاء عتق بآخر أجزاء حياته ، ومات حرا . وقال مالك : إن لم يخلف ولدا مات عبدا ] .

وإن خلف ولدا مملوكا ولد في كتابته من أمته أجبر على الأداء إن خلف وفاء ، ليعتق بأدائه فيتبعه في عتقه ، وإن لم يخلف وفاء أجبر على الكسب ، ليؤديه فيعتق به تبعا لأبيه .

ولو ترك المكاتب ولدين أحدهما حر والآخر مملوك كان ميراثه لولده المملوك دون الحر ليؤديه في كتابة أبيه استدلالا بأن ما لم ينفسخ من عقود المعاوضات بموت أحد المتعاقدين ، لم ينفسخ بموت الآخر كالبيع ، لأن من تمت به الكتابة لم ينفسخ بموته كالسيد .

ولأن مال الكتابة متعلق بذمته في حياته ، فوجب أن يتعلق بتركته بعد وفاته كالدين .

ودليلنا : هو أن العتق والإبراء يقومان في عتق المكاتب مقام الأداء ، فإذا لم يعتق بإبرائه وعتقه بعد الموت ، فأولى أن لا يعتق بالأداء بعد الموت .

وتحريره قياسا أن ما عتق به المكاتب في حال الحياة لم يعتق به بعد الوفاة كالإبراء والعتق .

ولأن موت المكاتب قبل الأداء يقتضي أن يموت عبدا كالذي لم يخلف وفاء ، ولا ولدا ، ولأن عتقه بعد الموت لا يخلو إما أن يتعلق بآخر أجزاء حياته ، أو يتعلق بالأداء بعد موته ، فإن تعلق بآخر أجزاء حياته لم يجز ، لأنه تحرير عتق قبل وجود الأداء ، وهذا لا يجوز في حال الحياة ، فكان أولى أن لا يجوز بعد موته ، وإن عتق بالأداء بعد الموت لم يجز ، لأن من مات عبدا لم يعتق بعد موته كالعبد القن ، وكما لو لم يلفظ سيده بالعتق .

فأما الجواب عن قياسهم على البيع : فهو أنه لما لم ينفسخ بعد الموت بالإعسار لم ينفسخ باليسار . ولما انفسخت الكتابة بموت المعسر انفسخت بموت الموسر .

وأما قياسهم على موت السيد مع افتراقهما بما ذكرنا في اللزوم فالجواب عنه : أن السيد موروث ، فجاز أن يقوم وارثه مقامه في بقاء العقد في حقه ، والمكاتب غير موروث فانقطع بموته حكم ما لم يبرم من عقوده .

وأما استدلالهم بتعلقه في ذمته كالدين فالجواب عنه : أن المكاتب لما لم يتعلق [ ص: 183 ] بتركته حق ورثته لم يتعلق به دين كتابته ، ألا ترى لو ترك أقل من الوفاء لم يورث عنه ، وصار إلى سيده ملكا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية