الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أدى كتابته فعتق وكانت عرضا فأصاب به السيد عيبا رده ورد العتق ( قال ) ولو فات المعيب قيل له : إن جئت بنقصان العيب وإلا فلسيدك تعجيزك كما لو دفعت دنانير نقصا لم تعتق إلا بدفع نقصان دنانيرك " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كاتبه على عرض موصوف يصح ثبوته في [ ص: 195 ] الذمة ، وأمكن قبضه في نجمين فصاعدا ، وهو أن يكاتبه على ثوبين فما زاد صحت الكتابة ، ولا يصح على ثوب واحد ، أو عبد واحد ، لأنه لا يصح قبضه في نجمين ، حتى يكون على ثوبين أو عبدين ، أو على ثوب وعبد ، لأنه يجوز أن يكون مال الكتابة من جنسين ، فإذا انعقدت الكتابة على هذا ، وأتاه بالعرض المستحق عليه في النجم الأخير ، فعتق بآخر دفعه ، ثم وجد السيد به عيبا لم يكن قد علم به ، فلا يخلو حال العرض من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون العرض باقيا على حاله التي قبضه عليها ، فيكون للسيد الخيار في إمساكه ، أو رده ، فإن أمسكه راضيا بعيبه استقر ملكه عليه ، واستقر ملك المكاتب به ، كالمشتري إذا رضي بعيب ما اشترى .

فإن قيل : فهلا امتنع وقوع العتق بوجود العيب لفوات بعض الأجزاء به كما لو كان الباقي من الكتابة عشرة ، فأعطاه تسعة لم يعتق .

قيل : الفرق بينهما أن نقصان القدر يستحقه نطقا اقتضاه الشرط ، فامتنع به وقوع العتق ، ونقصان الصفة يستحقه حكما اقتضاه العقد ، فجاز أن يقع به العتق لوقوع الفرق بين ما اقتضاه نطق الشرط وبين ما اقتضاه مطلق العقد ، ألا ترى أن الجهالة بخيار الشرط تمنع من صحة البيع ، لاستحقاقه نطقا ، والجهالة بخيار المجلس لا تمنع من صحة البيع ، لاستحقاقه حكما وشرعا .

وإن رد السيد العرض بعيبه كان له ذاك ، كالمشتري في رد ما وجد به عيبا ، ويرتفع العتق بالرد لا بظهور العيب ، لأن رده بعيبه نقص يفوت به بعض أجزائه ، فاقتضى أن لا يقع به العتق ، كما لو كانت كتابته عشرة دنانير ، فأداها إلا قيراطا لم يعتق بها .

فإن قيل : فكيف يصح ارتفاع العتق بعد وقوعه ، وهو كالطلاق إذا وقع لم يرتفع ، وقد ثبت أنه لو خالع زوجته على ثوب طلقها به ، ثم وجد بالثوب عيبا رده به ، ولم يرتفع الطلاق بعد وقوعه ، فهلا كانت الكتابة كذلك .

قيل : إنما لا يرتفع العتق بعد وقوعه إذا كان مستقرا وهذا العتق وقع متوهما ، ثم بان بالرد أنه لم يقع .

والفرق بين الكتابة والخلع وإن كان الفرق بينهما ضيقا أن المغلب في الخلع حكم الطلاق ، فجاز أن لا يرتفع بعيب العوض ، والمغلب في الكتابة حكم العوض ، فجاز أن يرتفع العتق بعيب العوض ، وإذا كان كذلك قيل للمكاتب بعد رد العوض عليه : قد ارتفع عتقك ، وأنت على كتابتك ، فإن جئت سيدك ببدل هذا العوض سليما من عيب استقر عتقك ، وإن لم تأت ببدله فله تعجيزك واسترقاقك .

[ ص: 196 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية