فصل : فإذا تقرر توجيه القولين ، فإن قلنا بالقول الأول أن  
التعجيل لم يصح ، وإن أذن به الشريك  ، فللشريك أن يرجع بمثل ما تعجله شريكه ، فإن كان مع المكاتب مثله ، فدفعه إلى الشريك الآذن استقر التعجيل الأول ، وعتق جميع المكاتب لأدائه مال كتابته إليهما ، وإن لم يكن بيده غير ما عجله كان للآذن أن يرجع على المعجل بنصف ما في يده ، فإذا رجع به لم يعتق من المكاتب شيء ، لأنه لم يستوف واحد منهما حقه ، فإن وفاهما عتق وإن عجز استرقاه .  
وإن قلنا بالقول الثاني : أن  
التعجيل صحيح ، وأنه لا رجوع للآذن فيه  ، فقد عتقت حصة المتعجل ، وفي سراية عتقه إلى حصة شريكه قولان :  
أحدهما : لا تسري ، ويكون باقيه على كتابته إن أداها إلى شريكه عتق ، وإن عجز عنها رق ، وكان نصفه حرا ، وولاؤه للمتعجل ونصفه مملوكا للآذن ، وإنما لم يسر عتقه ، لتقدم سببه الذي اشتركا فيه .  
والقول الثاني : أن عتقه يسري في باقيه إن كان المتعجل موسرا لقيمته ، لاختصاصه بما عتق به ، فعلى هذا في زمان سرايته قولان :  
أحدهما : أنه يسري لوقته ويعتق عليه جميعه في الحال ، ويؤخذ بقيمته حصة شريكه دون التعجيل ، وإنما تعجل العتق بالسراية ، لأنه إذا  
تعلق العتق بسببين  روعي أعجلهما في وقوع العتق به ، كما لو قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر ، وإن كلمت زيدا فأنت حر ، فعلى هذا تنفسخ الكتابة بالتقويم ، ليعود رقيقا مقوما ، وفيما يعتق به ما قدمناه من الأقاويل الثلاثة ، ويكون ولاء جميعه للمتعجل بالأداء والتقويم ويرجع الآذن      
[ ص: 208 ] على المكاتب بما في يده ، فيأخذه إن كان مثل ما تعجل شريكه ليساويه فيما أخذ ، فإن كان أكثر من التعجيل كانت الزيادة بين الآذن بحق رقه ، وبين المكاتب بحق عتقه . والقول الثاني : أن  
السراية موقوفة على ما يكون من أداء المكاتب  ، لأن للآذن فيه عقد قد تقدم ، يستحق به مالا وولاء فلم يجز أن يفوت عليه ، فعلى هذا للمكاتب ثلاثة أحوال :  
أحدها : أن يؤدي .  
والثاني : أن يعجز .  
والثالث : أن يموت قبلهما .  
فإن أدى عتق باقيه بالأداء ، وصار جميعه حرا ، وولاؤه بين الشريكين ، وما فضل في يده بعد أدائه ملك له ، لا حق فيه لواحد من الشريكين ،  
وإن عجز وقع الفسخ بالعجز  ولم يقف على تعجيز الشريك الآذن لما تعلق بعتقه من حق الشريك المتعجل ، ويستقر الفسخ بالتقويم ، ويقع العتق بأداء القيمة ، ويكون ما بيد المكاتب على ما قدمناه يأخذ منه الآذن مثل ما أخذه المتعجل ، ويكون الباقي بينه وبين المكاتب ،  
وإن مات المكاتب قبل الأداء والعجز مات عبدا  ، وكان نصف ما بيده للشريك الآذن بحق رقه ، وفي النصف الباقي قولان :  
أحدهما : يكون للشريك الآذن أيضا ، وهو قوله في القديم أن  
من لم تكمل حريته لم يورث     .  
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد ، أنه يورث بقدر حريته ، فعلى هذا إن كان له وارث مناسب كان المال له ، وإن لم يكن له مناسب كان للمعتق ميراثا .  
وقال  
أبو سعيد الإصطخري      : ينتقل ماله إلى بيت المال ، ولا يكون لوارثه بحريته ، ولا لمالك رقه .  
وأما  
المزني   ، فإنه اختار من القولين في التعجيل ما حكيناه عنه من إبطاله ، واحتج له بما يفيد توجيه القول الثاني . والله أعلم .