الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " إلا أن المكاتب ممنوع من استهلاك ماله وأن يبيع بما لا يتغابن الناس بمثله ولا يهب إلا بإذن سيده " .

[ ص: 236 ] قال الماوردي : قد ذكرنا أن المكاتب مالك لكسبه غير أن للسيد عليه حجرا ، ولا يصرف ما بيده إلا في أحد ثلاثة أوجه :

أحدها : في دين يستحق .

والثاني : في طلب فضل يستزاد .

والثالث : في مئونة لا يستغنى عنها .

فأما الدين فنوعان : مراضاة ، وإكراه .

فأما دين المراضاة فكالإجارات ، والقروض .

وأما دين الإكراه فكقيم المتلفات وأروش الجنايات ، فعليه أداؤها معا ، وهما سواء في وجوب القضاء ، ولا يلزمه استئذان السيد في واحد منهما .

وأما طلب الفضل ، فقد يكون من وجهين : تجارة ، وعمل .

فأما التجارة ، فتكون بالبيع والشراء ، فلا اعتراض للسيد عليه فيما باعه واشتراه إذا لم يظهر فيه مغابنة .

وأما العمل فهو احترافه بيديه في أنواع المكاسب ، ولا اعتراض للسيد عليه إذا تصدى له ، ولا يجبره عليه إن قعد ، لأنه ليس للسيد أن يجبره على الاكتساب ، كما ليس له أن يمنعه منه .

وأما ما لا يستغنى عنه من المؤن فنوعان : مئونة تثمير ماله ، ومئونة لحراسة نفسه ، فأما مئونة التثمير فكسقي الزروع ، وعلوفة المواشي ، ونقل الأمتعة .

وأما مئونة نفسه ، فكالذي يحتاج إليه من مأكوله وملبوسه أو من تجب عليه نفقته من زوجة وولد ، ولا اعتراض للسيد عليه في كلا المئونتين ما لم يخرج فيهما إلى حد السرف .

فأما نفقته في ملاذه فما كان منها معهودا بمثله لم يمنع منه ، وما خرج عن المعهود منع منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية