الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن أعتق عبده أو كاتبه بإذن سيده فأدى كتابته ففيها قولان : أحدهما لا يجوز لأن الولاء لمن أعتق ، والثاني أنه يجوز . وفي الولاء قولان أحدهما : أن ولاءه موقوف فإن عتق المكاتب الأول كان له وإن لم يعتق حتى يموت فالولاء لسيد المكاتب من قبل أنه عبد لعبده عتق ، والثاني أن الولاء لسيد المكاتب بكل حال لأنه عتق في حين لا يكون له بعتقه ولاؤه ، فإن مات عبد المكاتب المعتق بعدما يعتق وقف ميراثه في قول من وقف الميراث كما وصفت ، فإن عتق المكاتب الذي أعتقه فله ، وإن مات أو عجز فلسيد المكاتب إذا كان حيا يوم يموت ، وإن كان ميتا فلورثته من الرجال ميراثه ، وفي القول الثاني لسيد المكاتب لأن ولاءه له . وقال [ ص: 243 ] في الإملاء على كتاب مالك : إنه لو كاتب المكاتب عبده فأدى لم يعتق كما لو أعتقه لم يعتق ( قال المزني ) هذا عندي أشبه " .

قال الماوردي : وصورتها في مكاتب ملك عبدا فأعتقه أو كاتبه ، فنفوذ ذلك معتبر بإذن سيده فيه ، فإن أعتق أو كاتب بغير إذن سيده كان عتقه مردودا ، لأنه استهلاك ملك وكتابته باطلة ، لأن مقصودها العتق ، وإن عتق أو كاتب بإذن سيده ، ففي عتقه وكتابته قولان :

أحدهما : بطلانها ، ولا يصح من المكاتب عتق ولا كتابة ، لنقص ملكه وتصرفه ، فصار أسوأ حالا من المجنون الذي يبطل عتقه بنقص تصرفه مع تمام ملكه ، ولأن نفوذ العتق يوجب ثبوت الولاء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لحمة كلحمة النسب والمكاتب لا يستحق الولاء ، فلم يصح منه العتق ، وهذا اختيار المزني .

والقول الثاني : أن عتقه نافذ وكتابته جائزة ، لأنه ممنوع من ذلك من جهة سيده ، فاقتضى أن يزول المنع بإذنه كما يزول منع الرهن من العين بإذن المرتهن ، ولأن حال المكاتب لا يخلو إما أن يكون مشتركا بينهما أو لأحدهما ، فاقتضى أن ينفذ العتق على الأحوال باجتماعهما لاختصاص الملك بهما ، وعلى هذا القول يكون التفريع ، فإذا أنفذ العتق ، وصحت الكتابة ، ففي ولاء المعتق قولان :

أحدهما : يكون للسيد لأن الولاء ثابت بالعتق لمالك معين ، وليس المكاتب ممن يملك الولاء قبل عتقه ، فوجب أن يكون لسيده الذي لم يتم العتق إلا بإذنه ، وعلى هذا إن مات المعتق كان ميراثه بالولاء لسيده ، ولو عتق المكاتب بالأداء ، فهل يجر إليه ولاء معتقه ، وينتقل عن سيده إليه أم لا ؟ على وجهين حكاهما ابن أبي هريرة :

أحدهما : لا يجر الولاء ، ويكون باقيا للسيد ، لأن ثبوت الولاء كالنسب ، والنسب لا ينتقل عن محل ثبوته ، فكذلك الولاء يكون للسيد ثم لعصبته من بعده .

والوجه الثاني : يجر الولاء ، وينتقل عن السيد إليه لمباشرته العتق ، لأنه لما لم ينجر ولاء الأولاد عن معتق الأم إلى معتق الأب وهو غير مباشر لعتق الأولاد ، فأولى أن لا ينجر ولاء العتق في المباشرة عن السيد إلى المكاتب المباشر للعتق ، فهذا حكم الولاء إذا قيل إنه للسيد .

والقول الثاني : أن الولاء يكون موقوفا على المكاتب المعتق دون السيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق . وليس يمتنع وقوف الولاء لأنه ليس بأوكد من النسب الذي يجوز أن يوقف عند الاشتراك في الفراش على بيان القافة أو انتساب الولد ، فكان الولاء في الوقوف بمثابته ، ويراعى حال المكاتب المعتق ، فإن عتق بالأداء كان له ولاء [ ص: 244 ] معتقه ، وإن رق بالعجز صار الولاء لسيده ، فعلى هذا لو مات المعتق وولاؤه موقوف على عتق المكاتب ، ففي ميراثه وجهان :

أحدهما : يكون موقوفا ، لأن ولاءه موقوف كما يوقف ميراث الابن إذا مات ، وكان نسبه موقوفا على البيان .

والوجه الثاني : أن ميراثه يكون للسيد ، ولا يكون موقوفا على المكاتب ، وإن كان الولاء موقوفا عليه ، لأن السيد وارث في الحال ، والمكاتب غير وارث فيها ، فلم ينتظر به الانتقال إلى حال الميراث كالحر إذا خلف أبا مملوكا وجدا حرا كان ميراثه لجده ، ولا يوقف على عتق أبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية