الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإن لم ينظروه وطالبوه بحقوقهم ، فلكل واحد من السيد ومستحق الجناية أن يعجزه ، وليس لأرباب الديون تعجيزه .

وقال أبو حنيفة : لأرباب الديون تعجيزه أيضا ، وبنى ذلك على أصله في تعلق الدين برقبته .

وديون المعاملة عند الشافعي لا تتعلق بالرقبة ، وتثبت في ذمته ، وفيما بيده ، فلذلك لم يكن لأربابها تعجيزه بها ، واختص السيد وصاحب الجناية بتعجيزه ، ولهما أربعة أحوال :

أحدها : أن يتفقا على إنظاره ، فيكون لهما ذلك ، ولا اعتراض لأرباب الديون فيه ، ويكتسب بعد الإنظار ، وفيما استفاده من كسب وجهان :

أحدهما : أن يختص بأرباب الديون .

والثاني : أنه يكون أسوة بين جميع الحقوق .

والحالة الثانية : أن يتفقا على تعجيزه وإعادته عبدا ، فلهما ذلك ، فإذا صار بالتعجيز عبدا كانت الديون في ذمته يؤديها بعد عتقه ويساره .

وقال أبو حنيفة : تكون في رقبته يباع فيها إلا أن يفديه السيد منها ، وليس بصحيح لما ذكرناه ، ثم يقال للسيد بعد التعجيز : أنت بالخيار بين أن تفديه من أرش جناياته استبقاء لملكه أو يباع فيهما ، فإن لم يفده بيع في جناياته ، فإن كثرت وكان مستحقوها أسوة في ثمنه بقدر أروشهم ، وسواء فيها من تقدمت جنايته أو تأخرت ، فإن فضل لهما فضل فهل يتعلق بذمة العبد يؤديه بعد عتقه أم لا ؟ على وجهين من اختلاف أصحابنا في جناية العبد ، هل وجبت ابتداء في رقبته أو وجبت في ذمته وانتقلت إلى رقبته .

فإن قيل : وجبت ابتداء في رقبته كان الباقي منها هدرا .

وإن قيل : وجبت في ذمته ثم انتقلت إلى رقبته كان الباقي منها ثابتا في ذمته يؤديه بعد عتقه ، وإن أراد السيد أن يفديه من جنايته ، ففيما يفديه قولان :

أحدهما : يفديه بقدر قيمته لا غير ، يشترك فيها أرباب الجنايات .

والقول الثاني : يفديه بأروش جناياته كلها ، وإن زادت على القيمة أضعافا .

والحال الثالثة : أن يدعو السيد إلى إنظاره ، ويدعو صاحب الجناية إلى تعجيزه فيقال للسيد : إن ضمنت أرش الجناية ، فلك إنظاره ، وفي قدر ما يضمنه منهما ما ذكرناه من القولين ، وإن لم يضمن أرش الجناية ، فلصاحبها تعجيزه وبيعه في جناياته ليصل إلى حقه من ثمنه .

[ ص: 271 ] والحال الرابعة : أن يدعو صاحب الجناية إلى إنظاره ، ويدعو السيد إلى تعجيزه ، فتعجيز السيد أحق من إنظار صاحب الجناية ، فإذا عجزه السيد وفي يده مال كان أرباب الديون أحق بذلك المال وجها واحدا ، لأنه قد صار عبدا ، وما بيد العبد من مال فصرفه في ديون معاملاته أحق من سيده ، ومن جناياته ، فإن بقيت من ديونهم بقايا كانت في ذمته بعد عتقه ، وبيع في الجناية إلا أن يفديه السيد منها ، وإن فضل بعد الديون فضل كان صرفه في مستحق الجناية أحق من السيد ، وبيع في باقي جنايته إلا أن يفديه السيد منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية