الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : القول في عيادة المريض وثوابها

يستحب عيادة المريض ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عائد المريض في مخرف من مخارف الخير إلى أن يعود " .

[ ص: 4 ] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عاد مريضا شيعه سبعون ألف ملك إلى أن يعود " .

وقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا وجابرا وعاد غلاما يهوديا .

ويستحب أن يعود لعيادته جميع المرضى ، ولا يخص بها قريبا من بعيد ، ولا صديقا من عدو ليحرز بها ثواب جميعهم . وينبغي أن تكون العيادة غبا ولا يواصلها في جميع الأيام ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أغبوا عيادة المريض ، أو أربعوا إلا أن يكون مغلوبا " . ويكره إطالة العيادة ؛ لما فيها من إضجار المريض ، فإن رأى في المريض أمارات الصحة وعلامات البرء دعا له بتعجيل العافية ؛ لتقوى بذلك نفسه ، فقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا ، ووعده بالعافية والعمر وإن الله سيفتح على يديه . وإن رأى فيه علامات الموت ذكره الوصية وأمره بالتوبة ، وحثه على الخروج من المظالم ، بالرفق والكلام اللطيف ، ثم يعجل الانصراف . فإذا قارب أن يقضي ، حضره أقوى أهله نفسا وأثبتهم عقلا ، ولقنه الشهادتين من غير عنف ولا إضجار ؛ لما روى أبو هريرة وأبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله " .

وروى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من كان آخر كلامه قول لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة " . ثم يوجهه نحو القبلة ، وفي كيفية توجهه وجهان :

أحدهما : أنه يلقى على ظهره ، وتكون رجلاه في القبلة .

والثاني : أن يضجع على شقه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة ، فإذا مات تولى منه سبع خصال :

أولها : إغماض عينيه ؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم . " أغمض عين ابن سلمة بن عبد الأسد . وقال : " إن البصر يتبع الروح " . ولأن ذلك أحسن في كرامته وأبلغ في جمال عشرته ؛ ولأن لا يسرع إليها الفساد ، فقد قيل إنها آخر ما يخرج منه الروح وأول ما يسرع إليه الفساد .

والثاني : أن يطبق فاه ويشد لحيه الأسفل بعصابة عريضة ويربطها من فوق رأسه ؛ لأن لا يفتح فاه فيقبح في عين الناظر إليه ، ولأن لا يلج فيه شيء من الهوام .

[ ص: 5 ] والثالث : أن يلين مفاصله من يديه وعضديه ورجليه وفخذيه فيمدها ويردها من له رفق وسهولة ؛ لئلا تجسو فتقبح ، ولأن تبقى لينة على غاسله .

والرابع : أن يخلع عنه ثيابه ؛ لأنه ربما خرجت منه نجاسة ، ولأنه ربما جمر فيها فتغير .

والخامس : أن يجعله على نشز من الأرض ، وموضع مرتفع من لوح أو سرير ؛ لأن لا تسرع إليه عفونة الأرض ويبعد عن الهوام .

والسادس : أن يسجى بثوب يغطى به جميع بدنه ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجي بثوب حبرة " ، ولأن ذلك أصون لجسده ، وأبلغ في كرامته ، وينبغي أن يعطف ما فضل من طرفيه تحت رأسه ورجليه ؛ لكي لا ينكشف عنه إن هبت ريح .

والسابع : أن يوضع على بطنه سيف أو حديدة أو طين مبلول ؛ لأن لا يربو فينفخ بطنه فيقبح .

ويختار أن يتولى الرجال أمر الرجال ، والنساء أمر النساء ، فإن تولى خلاف ذلك من الرجال والنساء من ذوي المحارم جاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية