الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن الكتابة لا تبطل بالجنون ، وإن بطلت بالموت فللسيد إذا حل نجم الكتابة أن يأتي الحاكم ، فيثبت عنده عقد الكتابة وحلول النجم فيها ، ثم يفتش الحاكم بعد ثبوت ذلك عن مال المكاتب ، فإن وجد له مالا دفعه إلى السيد ، وعتق به إن كان من آخر نجومه .

فإن قيل : فهذا المال غير لازم للمكاتب ، ولو غاب لم يفتش عن ماله فهلا كان في الجنون كذلك ؟ قيل : لأنه قد صار بالجنون مولى عليه فكان للحاكم الولي عليه أن يصرف ماله في مصالحه ، وأصلح الأمور تحري عتقه ، وليس كذلك الغائب ، لأنه لا ولاية عليه ، ومصالحه موكولة إليه ، فإذا لم يجد للمكاتب مالا أحلف الحاكم سيده أنه ما قبض مال النجم منه ، وإنه لباق عليه ، لأنه قضاء على مجنون ، فكان كالقضاء على الغائب ، فإذا حلف السيد حكم لسيده بتعجيزه وإعادته عبدا قنا ، وأخذه بنفقته ، فإن أفاق المجنون بعد استرقاقه وظهر له مال قامت البينة بتقدمه في ملكه أبطل الحاكم تعجيزه ، وحكم بعتقه كما يبطل ما نفذ من أحكامه بالاجتهاد إذا خالف نصا ، وحكم [ ص: 299 ] للسيد باسترجاع نفقته ، لأنه أنفق بحكمه ، فإذا استرجعها نظر في الباقي بعدها من مال المكاتب ، فإن كان فيه وفاء عتق ، وإن لم يكن فيه وفاء لم يعتق ، وكان ما أخذه مستحقا بالملك لا بالكتابة ، ولو أقام المكاتب البينة بعد إفاقته أنه قد كان أدى مال كتابته إلى السيد قبل جنونه عتق ، وكان السيد متطوعا بالنفقة عليه ، ولا يرجع بها بعد إفاقته ، لأنه بجحود الاستيفاء قد صار ملتزما ما لم يلزمه ، فلذلك صار به متطوعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية