الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من انتشار حرمتها ، وتحريم بيعها ، فالكلام فيها مشتمل على فصلين :

أحدهما : فيما تصير به أم ولد .

والثاني : في حكمها بعد كونها أم ولد .

فأما الفصل الأول : فيما تصير به أم ولد ، فهو أن تضع من سيدها ما انعقد خلق الولد فيه ، وهو على خمسة أقسام :

أحدها : وهو أكمل أحوالها أن تضع ولدا كاملا في خلقه ، وزمانه ذكرا أو أنثى أو خنثى ، فتصير به أم ولد ، سواء ثبتت حرمة الولد بالحياة أو لم تثبت له الحرمة بإلقائه ميتا ، ويتعلق بالولد إن وضعته حيا أربعة أحكام :

[ ص: 311 ] الميراث ، ووجوب الدية ، والكفارة ، وتنقضي به العدة .

والقسم الثاني : أن تضع عضوا من الولد كرأس أو يد ، أو رجل ، أو عين ، أو إصبع ، أو ظفر ، فتصير به أم ولد ، لأن العضو لا يكون إلا من جسد الولد ، فصار البعض منه دالا على وجوده ، فثبتت به حرمة الولادة ، ويتعلق به ثلاثة أحكام ، وجوب الغرة ، والكفارة ، وانقضاء العدة .

والقسم الثالث : أن تضع جسدا فيه خلق جلي ، قد تصور في العيون لا يختلف فيه كل من شاهده من رجل وامرأة ، فتصير به أم ولد ، لانعقاده ولدا وتتعلق به الأحكام الثلاثة من وجوب الغرة والكفارة ، وانقضاء العدة .

والقسم الرابع : أن تضع جسدا فيه من تخطيط الخلق الخفي ما لا يعرفه إلا قوابل النساء ، وربما اختبرته بالماء الجاري فبان فإذا شهد أربع من عدول النساء أن فيه ابتداء لتخطيط الخلق ، ومبادئ أشكال الصور سمعت فيه شهادتان ، وصارت به أم ولد ، لانعقاده ولدا ، وإن لم يكمل وتتعلق به الأحكام الثلاثة من وجوب الغرة ، والكفارة ، وانقضاء العدة .

والقسم الخامس : أن تضع جسدا هو مضغة ليس فيه خلق جلي ، ولا خفي ، ولا تشكل له عضو ، ولا تخطط له صورة ، فظاهر ما قاله الشافعي هاهنا أنها تصير به أم ولد ، وقال في كتاب " العدد " ما يدل على انقضاء العدة به ، واختلف أصحابنا ، فمنهم من خرج ذلك على قولين :

أحدهما : تصير به أم ولد ، وتنقضي به العدة لانعقاده جسدا ، فعلى هذا يتعلق به بعد مصيرها أم ولد ، الأحكام الثلاثة من وجوب الغرة ، والكفارة وانقضاء العدة .

والقول الثاني : لا تصير به أم ولد ، ولا تنقضي العدة به ولا يتعلق به حكم ، لأنه لم يصر ولدا ، ولا تثبت له حرمة .

وقال آخرون من أصحابنا : تنقضي به العدة ، ولا تصير به أم ولد على الظاهر من قوله في الموضعين .

والفرق بين أن تنقضي به العدة ، ولا تصير به أم ولد أن مقصود العدة استبراء ، وذلك موجود فيما وضعته ، والمقصود بكونها أم ولد انتشار حرمة الولد إليها ، ولا حرمة لما وضعته ، فعلى هذا لا يتعلق بما وضعته حكم سوى العدة ، ولا تجب فيه غرة ، ولا كفارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية