صفحة جزء
الحكم الثاني : المساقاة عقد لازم كالإجارة ، ويملك العامل حصته من الثمرة بالظهور على المذهب . وقيل : قولان كالقراض . والفرق على المذهب : أن الربح في القراض وقاية لرأس المال ، بخلاف الثمر .

فرع

إذا هرب العامل قبل تمام العمل ، نظر ، إن تبرع المالك بالعمل ، أو بمؤنة من يعمل ، بقي استحقاق العامل بحاله ، وإلا رفع الأمر إلى الحاكم ، وأثبت عنده المساقاة ليطلبه الحاكم ، فإن وجده ، أجبره على العمل ، وإلا استأجر عليه من يعمل . ومن أين يستأجر ؟ ينظر ، إن كان للعامل مال ، فمنه ، وإلا فإن كان بعد بدو الصلاح ، [ ص: 161 ] باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة للمالك أو غيره ، واستأجر بثمنه . وإن كان قبل بدو الصلاح ، إما قبل خروج الثمرة أو بعده ، استقرض عليه من المالك أو غيره ، أو من بيت المال ، واستأجر به ، ثم يقضيه العامل إذا رجع ، أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح ، أو الإدراك .

ولو وجد من يستأجره بأجرة مؤجلة ، استغنى عن الاقتراض . وإن فعل المالك بنفسه ، أو أنفق عليه ليرجع ، ينظر ، إن قدر على مراجعة الحاكم ، أو لم يقدر وقدر على الإشهاد فلم يفعل ، لم يرجع . وإن لم يمكنه الإشهاد ، ففي رجوعه وجهان . أصحهما عند الجمهور : لا يرجع ، لأنه عذر نادر .

وحكي وجه : أنه يرجع وإن تمكن من الإشهاد ، وهو شاذ . وإن أشهد ، رجع على الأصح ، للضرورة . وقيل : لا ، لئلا يصير حاكما لنفسه .

ثم الإشهاد المعتبر ، أن يشهد على العمل أو الاستئجار ، وأنه بذل ذلك بشرط الرجوع . فأما الإشهاد على العمل أو الاستئجار من غير تعرض للرجوع ، فهو كترك الإشهاد ، قاله في " الشامل " . وإذا أنفق المالك بإذن الحاكم ليرجع ، فوجهان . وجه المنع : أنه متهم في حق نفسه . فطريقه : أن يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالإنفاق . ولو استأجره لباقي العمل ، فوجهان بناء على ما لو أجر داره ، ثم استأجرها من المستأجر . ومتى تعذر إتمام العمل بالاستقراض وغيره ، فإن لم تكن الثمرة خرجت ، فللمالك فسخ العقد على الصحيح ، للتعذر والضرورة . وقال ابن أبي هريرة : لا يفسخ ، لكن يطلب الحاكم من يساقي عن العامل ، فربما فضل له شيء .

وإن كانت الثمرة قد خرجت ، فهي مشتركة بينهما . فإن بدا صلاحها ، بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به عامل . وإن لم يبد ، تعذر [ بيع ] نصيبه وحده ، لأن شرط القطع في المشاع لا يكفي . فإما أن يبيع المالك نصيبه معه ليشرط القطع في الجميع ، وإما أن يشتري المالك نصيبه ، فيصح على الأصح [ ص: 162 ] في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح لصاحب الشجرة يكفي عن اشتراط القطع .

فإن لم يرغب في بيع ولا شراء ، وقف الأمر حتى يصطلحا . وهذا كله تفريع على أنه لا يثبت الفسخ بعد خروج الثمرة ، وهو الصحيح . وقال في " المهذب " : يفسخ ، وتكون الثمرة بينهما ، ولا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمرة فائدة .

ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة فرعان .

أحدهما : إذا فسخ ، غرم المالك للعامل أجرة مثل ما عمل ، ولا يقال بتوزيع الثمار على أجرة مثل جميع العمل ، إذ الثمار ليست موجودة عند العقد حتى يقتضي العقد التوزيع فيها .

الثاني : جاء أجنبي وقال : لا تفسخ لأعمل نيابة عن العامل ، لم يلزم الإجابة ، لأنه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه . لكن لو عمل نيابة بغير علم المالك ، وحصلت الثمار ، سلم للعامل نصيبه منها ، وكان الأجنبي متبرعا [ عليه ] ، هكذا قالوه .

ولو قيل : وجود المتبرع كوجود مقرض حتى لا يجوز الفسخ ، لكان قريبا . والعجز عن العمل بمرض ونحوه كالهرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية