صفحة جزء
فصل

يجوز الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص ، ولنقل الميتة إلى المزبلة ، والخمر لتراق ، ولا يجوز لنقل الخمر من بيت إلى بيت ، ولا لسائر المنافع المحرمة ، كالزمر والنياحة ، وكما يحرم أخذ الأجرة في هذا ، يحرم إعطاؤها . وإنما يباح الإعطاء [ ص: 195 ] دون الأخذ في موضع ضرورة ، كفكاك الأسير ، وإعطاء الشاعر لئلا يهجو ، والظالم ليدفع ظلمه ، والجائر ليحكم بالحق .

وهذه الأمثلة ، مذكورة في باب القضاء . النوع الثاني : العقار ، ويستأجر لأغراض .

منها : السكنى ، فإذا استأجر دارا ، وجب معرفة موضعها ، وكيفية أبنيتها ، وفي الحمام ، يعرف البيوت والبئر التي يستقي منها ماءه ، والقدر التي يسخن فيها ، ومبسط القماش ، والأتون وهو موضع الوقود وما يجمع الأتون من السرقين ونحوه ، والموضع الذي يجمع فيه الزبل والوقود ، ومطرح الرماد ، والمستنقع الذي يجتمع فيه الماء الخارج من الحمام . وعلى هذا قياس سائر المسكن . وهذا الذي ذكرناه من اشتراط الرؤية في الحمام ونحوه ، تفريع على منع إجارة الغائب ، فإن جوزناها ، لم تعتبر الرؤية ، بل يكفي الوصف والبيان ، ولا يدخل الوقود في بيع الحمام وإجارته ، كما لا تدخل الأزر والأسطال والحبل والدلو .

قال في " الشامل " : في رؤية قدر الحمام ، يكفي رؤية داخلها من الحمام ، أو ظاهرها من الأتون . والقياس : على اعتبار الرؤية أن يشاهد الوجهين إذا أمكن ، كما تعتبر مشاهدة وجهي الثوب .

فرع

ذكر في شرح المفتاح أنه لا بد في إجارة الدار من ذكر عدد السكان من الرجال والنساء والصبيان ، ثم لا مانع من دخول زائر وضيف ، وإن بات فيها ليالي .

قلت : هذا الاشتراط لا يعرف لغيره . والمختار : أنه لا يعتبر لكن يسكن فيها من جرت العادة به في مثلها ، وهذا مقتضى إطلاق الأصحاب ، فلا عدول عنه . والله أعلم .

[ ص: 196 ] فرع

لا بد من تقدير هذه المنفعة بالمدة ، وفي تقدير المدة التي يجوز عقد الإجارة عليها ثلاثة أقوال ، المشهور والذي عليه جمهور الأصحاب أنه يجوز سنين كثيرة ، بحيث يبقى إليها ذلك الشيء غالبا ، فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة ، والدابة تؤجر عشر سنين ، والثوب سنتين أو سنة على ما يليق به ، والأرض مائة سنة وأكثر . وقال ابن كج : يؤجر العبد إلى تمام مائة وعشرين سنة من عمره .

والقول الثاني : لا يجوز أكثر من سنة مطلقا . والثالث : لا يجوز أكثر من ثلاث سنين . وحكي وجه : أنه يجوز أن يؤجرها مدة لا تبقى فيها العين غالبا ، لأن الأصل الدوام ، فإن هلكت لعارض ، فكانهدام الدار ونحوه . وحكم الوقف في مدة الإجارة حكم الطلق . قال المتولي : إلا أن الحكام اصطلحوا على منع إجارته أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف ، وهذا الاصطلاح ، غير مطرد . وفي أمالي السرخسي : أن المذهب منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة لعمارة وغيرها ، وهو غريب . وإذا جوزنا إجارة أكثر من سنة ، فهل يجب تقدير حصة كل سنة ؟ قولان . أظهرهما : لا ، وتوزع الأجرة على قيمة منافع السنين ، ومنهم من قطع بهذا .

فرع

إذا قال : أجرتك شهرا ، أو قال : سنة ، صح على الأصح ، وحمل على ما يتصل بالعقد . وقيل : يشترط أن يقول : من الآن . ولو قال : أجرتك شهرا من السنة ، فالعقد باطل قطعا للإبهام .

ولو قال : كل شهر بدرهم من الآن ، فباطل أيضا على المشهور والصحيح . وقال في " الإملاء " : يصح في الشهر الأول ، وبه قطع الإصطخري . ولو قال [ ص: 197 ] : كل شهر من هذه السنة بدرهم ، لم يصح على الأصح ، وصححه ابن سريج في شهر فقط ، ونقل الإمام عن الأصحاب ، أنهم قالوا : إذا قال : بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم ، لم يصح البيع ، لأنه لم يضف إلى جميع الصبرة ، بخلاف ما لو قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، قال : وكان ينبغي أن يفرق فيقال : إن قال : بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم ، كان كقوله : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، ويصح العقد في الجميع . وإن قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، بطل على الأصح ، وعلى قول ابن سريج : يصح في صاع ، وكذلك يفرق في الإجارة . وقد قال بهذا الشيخ أبو محمد ، فسوى بين قوله : بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم ، وبين قوله : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، فصحح البيع في جميع الصبرة باللفظين .

فرع

مدة الإجارة ، كأجل المسلم فيه ، في أن مطلق الشهر والسنة يحمل على العربي ، وفي أنه إذا قيد بالعددية ، أو قال : سنة فارسية أو رومية أو شمسية ، كان الأجل ما ذكره ، وفي أن العقد إذا انطبق على أول الشهر ، كان ذلك الشهر وما بعده بالأهلة . وإن لم ينطبق ، تمم المنكسر بالعدد من الأخير ، ويحسب الباقي بالأهلة .

وفي سائر المسائل المذكورة في السلم ، وفي التأجيل بالشمسية ، وجه : أنه لا يصح ، وهو شاذ .

فرع

قال : أجرتك شهرا من هذه السنة ، فإن لم يكن بقي منها إلا شهر ، صح ، وإن بقي أكثر من شهر ، لم يصح ، قاله المتولي والبغوي .

[ ص: 198 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية