صفحة جزء
فصل

إذا باع العين المستأجرة ، فله حالان .

[ الحال ] الأول : البيع للمستأجر ، وهو صحيح قطعا . ثم في الإجارة وجهان .

[ ص: 253 ] أحدهما : تنفسخ ، قاله ابن الحداد ، ويعبر عنه بأن الإجارة والملك لا يجتمعان . وأصحهما : لا تنفسخ . فعلى الأول ، يرجع المستأجر على المؤجر بقية المدة على الأصح . وقال ابن الحداد : لا يرجع . ولو فسخ المستأجر البيع بعيب ، لم يكن [ له ] الإمساك بحكم الإجارة ، لأنها قد انفسخت بالشراء .

ولو تلفت العين ، لم يرجع على البائع بشيء ، لأن الإجارة غير باقية عند التلف ، وعلى الوجه الثاني الأصح ، وهو أن الإجارة لا تنفسخ بالشراء ، ففي صورة فسخ البيع بالعيب له الإمساك بحكم الإجارة ، ولو فسخ عقد الإجارة ، رجع على البائع بأجرة بقية المدة .

وفي صورة التلف تنفسخ الإجارة بالتلف ، وحكمه ما سبق ، وتتخرج على الخلاف في أن الإجارة والملك هل يجتمعان ؟ مسائل .

إحداها : أوصى لزيد برقبة دار ، ولعمرو بمنفعتها ، وأجرها لعمرو ، ففي صحة الإجارة الوجهان . الثانية : مات المستأجر ووارثه ، المؤجر ففي انفساخها الوجهان . الثالثة : أجر المستأجر العين المستأجرة للمالك ، جاز على الصحيح المنصوص ، كما يجوز أن يبيعه ما اشتراه منه ، ومنعه ابن سريج ، لاجتماع الملك والإجارة . الرابعة : أجر داره لابنه ، ومات الأب في المدة ولا وارث له غير الابن المستأجر ، وعليه ديون مستغرقة ، بني أولا على أن الوارث هل يملك التركة وهناك دين مستغرق ؟ إن قلنا : لا يملك ، بقيت الإجارة بحالها . وإن قلنا : يملك ، وهو الصحيح ، فعلى الأصح : لا تنفسخ الإجارة . وعلى قول ابن الحداد : تنفسخ ، لأن الملك طرأ على الإجارة . وادعى الروياني أن هذا أصح .

وإذا انفسخت الإجارة ، قال ابن الحداد : الابن غريم يضارب بأجرة بقية المدة للغرماء ، ووافقه بعضهم ، وخالفه المعتبرون ، لأنه خلاف ما سبق عنه في الشراء : أنه لا يرجع ، [ ص: 254 ] وضعفوا الفرق . ولو مات الأب المؤجر عن ابنين ، أحدهما المستأجر ، فعلى الأصح : لا تنفسخ الإجارة في شيء من الدار ، ويسكنها المستأجر إلى انقضاء المدة ، ورقبتها بينهما بالإرث . وقال ابن الحداد : تنفسخ الإجارة في النصف الذي يملكه المستأجر ، وله الرجوع بنصف أجرة ما انفسخ العقد فيه ، لأن مقتضى الانفساخ في النصف الرجوع بنصف الأجرة ، لكنه خلف ابنين والتركة في يدهما ، والدين الذي يلحقها يتوزع ، فيخص الراجع الربع ، ويرجع بالربع على أخيه ، فإن لم يترك الميت سوى الدار ، بيع من نصيب الأخ المرجوع عليه بقدر ما يثبت به الرجوع ، وهذا بعيد عند الأئمة ، لأن الابن المستأجر ورث نصيبه بمنافعه ، وأخوه ورث نصيبه مسلوب المنفعة ، ثم قد تكون أجرة مثل الدار في تلك المدة مثلي ثمنها ، فإذا رجع على الأخ بربع الأجرة ، احتاج إلى بيع نصيبه ، فيكون أحدهما قد فاز بجميع نصيبه ، وبيع نصيب الآخر وحده في دين الميت . قال الشيخ أبو علي : ولو لم يخلف إلا الابن المستأجر ، ولا دين عليه ، فلا فائدة في الانفساخ ، ولا أثر له ، لأن الكل له ، سواء [ أخذ ] بالإرث ، أو أخذ مدة الإجارة بالإجارة وبعدها بالإرث ، وسواء أخذ بالدين أم بالإرث .

فرع

أجر البطن الأول الوقف للبطن الثاني ، ومات المؤجر في المدة ، فإن قلنا : لو أجر أجنبيا بطلت الإجارة ، فهنا أولى ، وإلا ، فوجهان ، لأنه طرأ الاستحقاق في مدة الإجارة . قال الإمام : وهذا أولى بارتفاع الإجارة . الحال الثاني : البيع لغير المستأجر ، وهو صحيح على الأظهر عند الأكثرين . ويجري القولان سواء أذن المستأجر ، أم لا . وإذا صححنا ، لم تنفسخ الإجارة ، كما [ ص: 255 ] لا ينفسخ النكاح ببيع المزوجة ، ويترك في يد المستأجر إلى انقضاء المدة ، وللمشتري فسخ البيع إن كان جاهلا . وإن كان عالما ، فلا فسخ له ، ولا أجرة لتلك المدة ، وكذا لو كان جاهلا وأجاز ، ذكره البغوي ، ويشبه أن يكون على الخلاف في مدة بقاء الزرع إذا باع أرضا مزروعة . ولو وجد المستأجر به عيبا ، وفسخ الإجارة ، أو عرض ما تنفسخ به الإجارة بمنفعة بقية المدة ، لمن يكون ؟ وجهان . قال ابن الحداد : للمشتري . وقال أبو زيد : للبائع ، لأن المشتري لم يملك منافع تلك المدة . وبناهما المتولي على أن الرد بالعيب يرفع العقد من أصله ، أم من حينه ؟ إن قلنا بالأول ، فهي للمشتري وكأن الإجارة لم تكن . وإن قلنا : من حينه ، فللبائع ، لأنه لم يوجد عند الرد ما يوجب الحق للمشتري .

قال : ولو تقايلا الإجارة ، فإن قلنا : الإقالة بيع ، فهي للبائع . وإن قلنا : فسخ ، فكذلك على الصحيح ، لأنها ترفع العقد من حينها قطعا . وإذا حصل الانفساخ ، رجع المستأجر بأجرة بقية المدة على البائع . قال ابن كج : ويحتمل أن يرجع على المشتري .

فرع

القولان في صحة بيع المستأجر يجريان في هبته ، وتجوز الوصية به قطعا .

فرع

لو باع عينا واستثنى منفعتها لنفسه سنة أو شهرا ، فطريقان . أحدهما يحكى عن ابن سريج : أنه على قولي بيع المستأجر . والمذهب : القطع ببطلان العقد .

[ ص: 256 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية