صفحة جزء
فصل

في مسائل تتعلق بالباب الثاني

إحداها : استأجره لعمل مدة ، يكون زمن الطهارة والصلوات - فرائضها وسننها الرواتب - مستثنى ، ولا ينقص من الأجرة ، وسواء فيه الجمعة وغيرها . وعن ابن سريج ، جواز ترك الجمعة بهذا السبب ، حكاه أبو الفضل بن عبدان ، والسبوت في استئجار اليهودي مستثناة إن اطرد عرفهم ، قال الغزالي في " الفتاوى " .

الثانية : استأجر مرضعة لتعهد الصبي ، فالدهن على أبيه ، فإن جرى عرف البلد بخلافه ، فوجهان . الثالثة : استأجره لحمل حطب إلى داره وهي ضيقة الباب ، هل عليه إدخاله الدار ؟ فيه قولان للعرف ، ولا يكلف صعود السطح [ به ] .

الرابعة : استأجره لغسل ثياب معلومة ، فحملها إليه حمال ، فإن شرطت أجرته على أحدهما ، فذاك ، وإلا ، فعلى الغسال ، لأنه من تمام الغسل . الخامسة : استأجره لقطع أشجار بقرية ، لم تجب عليه أجرة الذهاب والمجيء ، لأنهما ليسا من العمل ، ذكر هذه المسائل الأربع أبو عاصم العبادي . السادسة : استأجر دابة ليركبها ويحمل [ عليها ] كذا رطلا ، فركب وحمل وأخذ في السير ، فأراد المؤجر أن يعلق عليها مخلاة أو سفرة أو نحوهما من قدام القتب أو من خلفه ، أو أن يردف معه رديفا ، فللمستأجر منعه . السابعة : استأجر دابة ليركبها إلى موضع معلوم ، فركبها [ إليه ] ، فعن صاحب " التقريب " أن له أن يردها إلى الموضع الذي سار منه ، إلا أن ينهاه صاحبها . وقال الأكثرون : ليس له ردها ، بل يسلمها إلى وكيل المالك إن كان ، وإلا ، فإلى [ ص: 261 ] الحاكم هناك . فإن لم يكن حاكم ، فإلى أمين ، فإن لم يجد أمينا ، ردها أو استصحبها إلى حيث يذهب ، كالمودع يسافر بالوديعة للضرورة . وإذا جاز له الرد ، لم يجز له الركوب ، بل يسوقها أو يقودها ، إلا أن يكون بها جماح لا تنقاد إلا بالركوب ، وبمثله لو استعار للركوب إليه .

قال العبادي : له الركوب في الرد ، لأن الرد لازم له ، فالإذن تناوله بالعرف ، والمستأجر لا رد عليه . الثامنة : استأجر دابة للركوب إلى مكان ، فجاوزه ، لزمه المسمى للمكان ، وأجرة المثل للزيادة ، ويصير ضامنا من وقت المجاوزة . فإن ماتت ، لزمه أقصى القيم من حينئذ إن لم يكن معها صاحبها ، ولا يبرأ عن الضمان بردها إلى ذلك الموضع . وإن كان معها صاحبها ، فإن تلفت بعدما نزل وسلمها إليه ، فلا ضمان عليه . وإن تلفت وهو راكب ، نظر ، إن تلفت بالوقوع في بئر ونحوه ، ضمن جميع القيمة . وإن لم يحدث سبب ظاهر ، فقيل : تلزم كل القيمة أيضا ، والأصح : لا يلزمه الكل بل النصف في قول . ومقتضى التوزيع على المسافتين في قول كما سبق ، فيما إذا حمل أكثر من المشروط ، لأن الظاهر حصول التلف بكثرة التعب وتعاقب السير . حتى لو قام في المقصد قدر ما يزول فيه التعب ، ثم خرج بغير إذن المالك ، ضمن الكل .

وإذا استأجر ليركب ويعود ، فلا يلزمه لما جاوز أجرة المثل ، لأنه يستحق قطع قدر تلك المسافة ذهابا ورجوعا ، بناء على أن يجوز العدول إلى مثل الطريق المعين .

قلت : ولا يجوز أن يركبها بعد المجاوزة جميع الطريق راجعا ، بل يركبها بقدر تمام مسافة الرجوع . والله أعلم .

ثم إن قدر في هذه الإجارة مدة مقامه في المقصد ، فذاك ، وإلا ، فإن لم يزد على مدة المسافرين ، انتفع بها في الرجوع . وإن زاد ، حسبت الزيادة عليه . التاسعة : استأجر دابة للركوب إلى عشرة فراسخ ، فقطع نصف المسافة ، ثم [ ص: 262 ] رجع لأخذ شيء نسيه راكبا ، انتهت الإجارة واستقر جميع الأجرة ، لأن الطريق لا تتعين ، وكذا لو أخذ الدابة وأمسكها يوما في البيت ثم خرج ، فإذا بقي بينه وبين المقصد يوم ، استقرت الأجرة ، ولم يجز له الركوب بعده ، وكذا لو ذهب في الطريق لاستقاء ماء أو شراء شيء يمينا وشمالا ، كان محسوبا من المدة ، ويترك الانتفاع إذا قرب من المقصد بقدره .

العاشرة : دفع إليه ثوبا ليقصره بأجرة ، ثم استرجعه ، فقال : لم أقصره بعد ، فلا أرده ، فقال صاحب الثوب : لا أريد أن تقصره فاردده إلي ، فلم يرد وتلف الثوب عنده ، لزمه ضمانه . وإن قصره ورده ، فلا أجرة له ، وعلى هذا قياس الغزل عند النساج ونظائره .

قلت : صورة المسألة ، إذا لم يقع عقد صحيح . والله أعلم .

الحادية عشرة : استأجره ليكتب صكا في هذا البياض ، فكتبه خطأ ، فعليه نقصان الكاغد ، وكذا لو أمره أن يكتب بالعربية فكتب بالعجمية أو بالعكس .

قلت : ولا أجرة له ، ويقرب منه ما ذكره الغزالي في " الفتاوى " : أنه لو استأجره لنسخ كتاب ، فغير ترتيب الأبواب ، قال : إن أمكن بناء بعض المكتوب بأن كان عشرة أبواب ، فكتب الباب الأول آخرا منفصلا ، بحيث يبنى عليه ، استحق بقسطه من الأجرة وإلا فلا شيء له . والله أعلم .

الثانية عشرة : استأجر دابة لحمل الحنطة من موضع كذا إلى داره يوما إلى الليل مترددا مرات ، فركبها في عوده ، فعطبت الدابة ، ضمن على الأصح ، لأنه استأجرها للحمل لا للركوب . وقيل : لا يضمن ، للعرف ، ذكرهما العبادي .

[ ص: 263 ] الثالثة عشرة : العامل في المزارعة الصحيحة ، لو ترك السقي متعمدا ، ففسد الزرع ، ضمن ، لأنه في يده وعليه حفظه . الرابعة عشرة : تعدى المستأجر بالحمل على الدابة ، فقرح ظهرها وهلكت منه ، لزمه الضمان وإن كان الهلاك بعد الرد إلى المالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية