صفحة جزء
فصل

لا يشترط أن يكون الملتزم من يقع العمل في ملكه . فلو قال غير المالك : من رد عبد فلان فله كذا ، استحقه الراد على القائل . ولو قال فضولي : قال فلان من رد عبدي فله كذا ، لم يستحق الراد على الفضولي شيئا ، لأنه لم يلتزم . وأما [ ص: 269 ] المالك ، فإن كذب الفضولي عليه ، فلا شيء عليه . وإن صدق ، قال البغوي : يستحق عليه . وكأن هذا فيما إذا كان المخبر ممن يعتمد قوله ، وإلا ، فهو كما لو رد غير عالم بإذنه .

قلت : لو شهد الفضولي على المالك بإذنه ، قال : فينبغي أن لا تقبل شهادته ، لأنه متهم في ترويج قوله . وأما قول صاحب البيان : مقتضى المذهب قبولها ، فلا يوافق عليه . والله أعلم .

فرع

سواء في صيغة المالك قوله : من رد عبدي ، وقوله : إن رده إنسان ، أو إن رددته ، أو رده ولك كذا . الركن الثاني : المتعاملان . فأما ملتزم الجعل ، فيشترط أن يكون مطلق التصرف . وأما العامل ، فيجوز أن يكون شخصا معينا ، وجماعة ، ويجوز أن لا يكون معينا ولا معينين ، وقد سبق بيانه في الركن الأول . ثم إذا لم يكن العامل معينا ، فلا يتصور قبول العقد وإن كان لم يشترط قبوله ، كذا قاله الأصحاب ، وهو المذهب . وقال الإمام : لا يمتنع أن يكون كالوكيل في القبول ، ويشترط عند التعيين أهلية العمل في العامل .

الركن الثالث : العمل ، فما لا تجوز الإجارة عليه من الأعمال لكونه مجهولا ، تجوز الجعالة عليه للحاجة ، وما جازت الإجارة عليه ، جازت الجعالة أيضا على الصحيح . وقيل : لا ، للاستغناء بالإجارة . ولو قال : من رد مالي فله كذا ، فرده من كان في يده ، نظر ، إن كان في رده كلفة كالآبق ، استحق الجعل . وإن لم يكن ، كالدراهم [ ص: 270 ] والدنانير ، فلا ، لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بالعوض . ولو قال : من دلني على مالي فله كذا ، فدله من المال في يده ، لم يستحق شيئا ، لأن ذلك واجب عليه شرعا ، فلا يأخذ عليه عوضا . وإن ‌‌‌كان في يد غيره ، فدله عليه ، استحق ، لأن الغالب أنه يلحقه مشقة بالبحث عنه . وما يعتبر في العمل لجواز الإجارة ، يعتبر في الجعالة ، سوى كونه معلوما .

قلت : فمن ذلك أنه لو قال : من أخبرني بكذا ، فأخبره به إنسان ، فلا شيء له ، لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل ، كذا صرح به البغوي وغيره . والله أعلم .

الركن الرابع : الجعل المشروط ، وشرطه أن يكون معلوما كالأجرة ، لعدم الضرورة إلى جهالته . فإن شرط مجهولا ، بأن قال : من رد آبقي فله ثوب أو دابة ، أو إن رددته فعلي أن أرضيك أو أعطيك شيئا ، فسد العقد . وإذا رد ، استحق أجرة المثل ، وكذا لو جعل الجعل خمرا أو خنزيرا . ولو جعل الجعل ثوبا مغصوبا ، قال الإمام : يحتمل أن يكون فيه قولان كما لو جعل المغصوب صداقا ، فيرجع في قول بأجرة المثل ، وفي قول بقيمة المسمى . قال : ويحتمل القطع بأجرة المثل . ولو قال : من رد عبدي فله سلبه أو ثيابه ، قال المتولي : إن كانت معلومة ، أو وصفها بما يفيد العلم ، استحق الراد المشروط ، وإلا ، فأجرة المثل . ولو قال : فله نصفه أو ربعه ، فقد صححه المتولي ، ومنعه أبو الفرج السرخسي .

فصل

لو قال : من رد لي عبدي من بلد كذا فله دينار ، بني على الخلاف في صحة الجعالة في العمل المعلوم ، فإن صححناها ، فمن رده من نصف الطريق ، استحق نصف [ ص: 271 ] الجعل ، ومن رده من ثلثه ، استحق الثلث . وإن رده من مكان أبعد ، لم يستحق زيادة . ولو قال : من رد لي عبدين فله كذا ، فرد أحدهما ، استحق نصف الجعل . ولو قال : إن رددتما عبدي فلكما كذا ، فرده أحدهما ، استحق النصف ، لأنه لم يلتزم له أكثر من ذلك . وإن قال : إن رددتما لي عبدين ، فرد أحدهما أحدهما ، استحق الربع .

فصل

قال : من رد عبدي فله دينار ، فاشترك جماعة ، فالدينار مشترك بينهم . ولو قال لجماعة : إن رددتموه ، فردوه ، فكذلك ، ويقسم بينهم على الرءوس . ولو قال لزيد : إن رددته فلك دينار ، فرده هو وغيره ، فلا شيء لذلك الغير ، لأنه لم يلتزم له . وأما زيد ، فإن قصد الغير معاونته إما بعوض وإما مجانا ، فله تمام الجعل ، ولا شيء للغير على زيد ، إلا أن يلتزم له أجرة ويستعين به . وإن قال : عملت للمالك ، لم يكن لزيد جميع الدينار ، بل له نصفه على الصحيح الذي قاله الأصحاب . ورأى الإمام التوزيع على العمل أرجح . ولو شاركه اثنان في الرد ، فإن قصدا إعانة زيد ، فله تمام الجعل ، وإن قصدا العمل للمالك ، فله ثلثه . وإن قصد أحدهما إعانته ، والآخر العمل للمالك ، فله الثلثان .

فإن قيل : هل للعامل المعين أن يوكل بالرد غيره كما يستعين به ؟ وهل إذا كان النداء عاما يجوز أن يوكل من سمعه غيره في الرد ؟ قلنا : يشبه أن يكون الأول كتوكيل الوكيل ، والثاني كالتوكيل بالاحتطاب والاستقاء .

[ ص: 272 ] قلت : ولو قال : أول من يرد آبقي فله دينار ، فرده اثنان ، استحقا الدينار ، وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في آخر الطرف الثالث من الباب السادس في تعليق الطلاق . - والله أعلم .

فرع

قال لرجل : إن رددته فلك كذا ، ولآخر : إن رددته فلك كذا ، ولثالث : إن رددته فلك كذا ، فاشتركوا في الرد ، قال الشافعي - رضي الله عنه - : لكل واحد ثلث ما جعل له ، اتفقت الأجعال أم اختلفت . قال المسعودي : هذا إذا عمل كل منهم لنفسه . أما لو قال أحدهم : أعنت صاحبي عملت لهما ، فلا شيء له ، ولكل منهما نصف ما شرط له . ولو قال اثنان : عملنا لصاحبنا ، فلا شيء لهما ، وله جميع المشروط . وقول الشافعي - رضي الله عنه - : لكل واحد الثلث ، تصريح بالتوزيع على الرءوس ، فلو رده اثنان منهم ، فلكل منهما نصف المشروط [ له ] ، وإن أعان الثلاثة رابع في الرد ، فلا شيء له . ثم إن قال : قصدت العمل للمالك ، فلكل واحد من الثلاثة ربع المشروط له . وإن قال : أعنتهم جميعا ، فلكل واحد منهم ثلث المشروط [ له ] كما لو لم يكن معهم غيرهم . وإن قال : أعنت فلانا ، فله نصف المشروط له ، ولكل واحد من الآخرين ربع المشروط له .

وعلى هذا القياس لو قال : أعنت فلانا وفلانا ، فلكل واحد منهما ربع المشروط له وثمنه ، وللثالث ربع المشروط له . ولو قال لواحد : إن رددته فلك دينار ، وقال لآخر : إن رددته فلك ثوب ، فرداه ، فللأول نصف دينار ، وللثاني نصف أجرة المثل .

[ ص: 273 ] قلت : ولو قال المعين للثلاثة مثلا في الصورة السابقة : أردت أن آخذ الجعل من المالك ، لم يستحق شيئا ، وكان لكل من الثلاثة ربع المشروط له . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية