صفحة جزء
باب

الاجتهاد في الماء المشتبه

إذا اشتبه إناءان : طاهر ، ونجس ، فثلاثة أوجه . الصحيح : أنه لا يجوز استعمال أحدهما إلا بالاجتهاد ، وظهور علامة تغلب على الظن طهارته ، ونجاسة المتروك . والثاني : يكفي ظن الطهارة بلا علامة . والثالث : يستعمل أحدهما بلا اجتهاد ولا ظن ، وسواء علم نجاسة أحدهما بمشاهدتها ، أو ظنها بإخبار من تقبل روايته من حر ، أو عبد ، أو امرأة . وفي الصبي المميز وجهان .

قلت : الأصح عند الجمهور لا يقبل قول المميز ، ويقبل الأعمى بلا خلاف . والله أعلم .

ويشترط أن يعلم من حال المخبر أنه لا يخبر عن حقيقة ، وسواء أخبره بنجاسة أحدهما على الإبهام ، أم بعينه ، ثم اشتبه ، فيجتهد في الجميع . ولو انصب أحدهما ، أو صبه ، فثلاثة أوجه . أصحها : يجتهد في الباقي . والثاني : لا يجوز الاجتهاد ، بل يتيمم . والثالث : يستعمله بلا اجتهاد عملا بالأصل .

قلت : الأصح عند المحققين والأكثرين - أو الكثيرين - : أنه لا يجوز الاجتهاد ، بل يتيمم ويصلي ولا يعيد وإن لم يرقه . والله أعلم .

[ ص: 36 ] وللاجتهاد شروط .

الأول : أن يكون للعلامة مجال ، كالأواني ، والثياب . أما إذا اختلط بعض محارمه بأجنبية ، أو أجنبيات محصورات ، فلا يجوز نكاح واحدة منهن بالاجتهاد .

الثاني : أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الطهارة . فلو اشتبه ماء ببول ، أو بماء ورد ، أو ميتة بمذكاة ، أو لبن بقر بلبن أتان . لم يجتهد على الصحيح ، بل يتيمم في مسألة البول . وفي مسألة ماء الورد يتوضأ بكل واحدة مرة . وقيل : يجتهد . ولا بد من ظهور علامة بلا خلاف ، ولا يجيء فيه الوجه الثاني في أول الباب .

الثالث : مختلف فيه ، وهو العجز عن اليقين ، فلو تمكن منه ، جاز الاجتهاد على الأصح ، فيجوز في المشتبهين ، وإن كان معه ثالث طاهر بيقين ، أو كان على شط نهر أو اشتبه ثوبان ومعه ثالث طاهر بيقين ، أو قلتان : طاهرة ، ونجسة ، وأمكن خلطهما بلا تغير ، أو اشتبه ماء مطلق بمستعمل ، أو بماء ورد ، قلنا : يجوز الاجتهاد فيه على الأصح في الجميع .

الرابع : أن تظهر علامة ، وقد تقدم أن الصحيح اشتراط العلامة ، فلو لم تظهر ، تيمم بعد إراقة الماءين ، أو صب أحدهما في الآخر ، فلا إعادة عليه . فإن تيمم قبل ذلك ; وجبت إعادة الصلاة . وأما الأعمى ، فيجتهد على الأظهر . فإن لم يغلب على ظنه شيء ، قلد على الأصح .

قلت : فإن قلنا : لا يقلد ، أو لم يجد من يقلده ، فوجهان . الصحيح أنه يتيمم ، ويصلي ، وتجب الإعادة . والثاني : يخمن ويتوضأ على أكثر ما يقدر عليه ، وهو ظاهر نص الشافعي - رضي الله عنه - ، واختاره القاضي أبو الطيب قال : ويعيد . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية