صفحة جزء
فصل

في مسائل تتعلق بالكتاب

هبة منافع الدار ، هل هي إعارة ؟ لها وجهان في " الجرجانيات " ، ولا يحصل الملك بالقبض في الهبة الفاسدة . وهل المقبوض بها مضمون كالبيع الفاسد ؟ أم لا ، كالهبة الصحيحة ؟ وجهان . ويقال : قولان .

قلت : أصحهما : لا ضمان ، وهو المقطوع به في " النهاية " ، و " العدة " ، و " البحر " و " البيان " ، ذكروه في باب التيمم . قال المتولي : وإذا حكمنا بفساد الهبة ، فسلم المال بعد ذلك هبة ، فإن كان يعتقد فساد الأولى ، صحت الثانية ، وإلا ، فوجهان بناء على من باع مال أبيه على أنه حي فكان ميتا .

وهذه مسائل متعلقة بالكتاب . إحداها : قال لرجل : كسوتك هذا الثوب ، ثم قال : لم أرد الهبة ، قال صاحب " العدة " : يقبل قوله ، خلافا لأبي حنيفة - رضي الله عنه - لأنه يصلح للعارية ، فلا يكون صريحا في الهبة .

[ ص: 389 ] الثانية : قال : منحتك هذه الدار ، أو الثوب ، فقال : قبلت ، وأقبضه ، فهو هبة ، قاله في " العدة " .

الثالثة : في " فتاوى الغزالي " : لو كان في يد ابن الميت عين ، فقال : وهبنيها أبي وأقبضنيها في الصحة ، فأقام باقي الورثة بينة بأن الأب رجع فيما وهب لابنه ، ولم تذكر البينة ما رجع فيه ، لا تنتزع من يده بهذه البينة ، لاحتمال أن هذه العين ليست من المرجوع فيه . ويقرب من هذا ، لو وهب وأقبض ومات ، فادعى الوارث كون ذلك في المرض ، وادعى المتهب كونه في الصحة ، فالمختار أن القول قول المتهب .

الرابعة : دفع إليه ثوبا بنية الصدقة ، فأخذه المدفوع إليه ظانا أنه وديعة ، أو عارية ، فرده على الدافع ، لا يحل للدافع قبضه ، لأنه زال ملكه ، فإن الاعتبار بنية الدافع . فإن قبضه ، لزمه رده إلى المدفوع إليه ، ذكره القاضي حسين .

الخامسة : بر الوالدين مأمور به ، وعقوق كل واحد منهما محرم معدود من الكبائر بنص الحديث الصحيح ، وصلة الرحم مأمور بها ، فأما برهما ، فهو الإحسان إليهما ، وفعل الجميل معهما ، وفعل ما يسرهما من الطاعات لله تعالى ، وغيرها مما ليس بمنهي عنه ، ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما ، ففي " صحيح مسلم " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه . وأما العقوق ، فهو كل ما أتى به الولد مما يتأذى [ به ] الوالد ، أو نحوه تأذيا ليس بالهين ، مع أنه ليس بواجب . وقيل : تجب طاعتهما في كل ما ليس بحرام ، فتجب طاعتهما في الشبهات .

[ ص: 390 ] وقد حكى الغزالي هذا في " الإحياء " عن كثير من العلماء ، أو أكثرهم . وأما صلة الرحم ، ففعلك مع قريبك ما تعد به واصلا غير منافر ومقاطع له ، ويحصل ذلك تارة بالمال ، وتارة بقضاء حاجته أو خدمته أو زيارته . وفي حق الغائب بنحو هذا ، وبالمكاتبة وإرسال السلام عليه ونحو ذلك .

السادسة : الوفاء بالوعد ، مستحب استحبابا متأكدا ، ويكره إخلافه كراهة شديدة ، ودلائله من الكتاب والسنة معلومة ، وقد ذكرت في كتاب " الأذكار " فيه بابا ، وبينت فيه اختلاف العلماء في وجوبه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية