صفحة جزء
[ ص: 34 ] الباب السادس في أسباب تمنع صرف المال إليه في الحال للشك في استحقاقه

هي أربعة :

[ السبب ] الأول : الشك في الوجود ، كمن مات وله قريب مفقود لا يعلم حياته ولا موته ، وفيه مسألتان :

إحداهما : في التوريث منه . فالمفقود : الذي انقطع خبره وجهل حاله في سفر أو حضر في قتال أو عند انكسار سفينة أو غيرهما ، وله مال - وفي معناه : الأسير الذي انقطع خبره - فإن قامت بينة على موته ، قسم ميراثه ، وإلا فوجهان : أحدهما وهو اختيار أبي منصور وغيره : أنه لا يقسم ماله حتى يتحقق حاله . وأصحهما وبه قطع الأكثرون : أنه إذا مضت مدة يحكم الحاكم بأن مثله لا يعيش فيها ، قسم ماله ، وهذه المدة ليست مقدرة عند الجمهور . وفي وجه شاذ : تتقدر بسبعين سنة ، ويكفي ما يغلب على الظن أنه لا يبقى إليه ، ولا يشترط القطع بأنه لا يعيش أكثر منها على الصحيح . وقيل : يشترط . ويجوز أن يراد بهذا القطع غلبة الظن . ثم إن كانت القسمة بالحاكم ، فقسمته تتضمن الحكم بالموت ، وإن اقتسموا بأنفسهم ، فظاهر كلام الأصحاب في اعتبار حكمه مختلف ، فيجوز أن يقال : فيه خلاف ، إن اعتبرنا القطع ، فلا حاجة إلى الحكم ، وإلا فلا بد منه ؛ لأنه في محل الاجتهاد . وإذا مضت المدة المعتبرة ، وقسم ماله ، فهل لزوجته أن تتزوج ؟ مفهوم كلام الأصحاب دلالة وصريحا : أن لها ذلك ، وأن المنع على قوله الجديد مخصوص بما قبل هذه المدة . ألا ترى أنهم ردوا على [ القول ] القديم حيث قالوا : إذا لم يجز الحكم بموته في قسمة ماله وعتق أمهات أولاده ، لم يجز الحكم به في فراق زوجته ، فأشعر [ ص: 35 ] بأنهم رأوا الحكمين متلازمين . وعلى هذا فالعبد المنقطع الخبر بعد هذه المدة لا تجب فطرته ، ولا يجزئ عن الكفارة بلا خلاف . وموضع القولين ما قبل ذلك . ثم إنا ننظر إلى من يرثه حين حكم الحاكم بموته ، ولا يورث منه من مات قبيل الحكم ولو بلحظة ، لجواز أن يكون موت المفقود بين موته وبين حكم الحاكم . وأشار العبادي في " الرقم " إلى أنه لا يشترط أن يقع حكم الحاكم بعد المدة ، فقال : يضرب له الحاكم مدة لا يعيش في الغالب أكثر منها ، فإذا انتهت ، فكأنه مات ذلك اليوم .

المسألة الثانية : في توريثه . فإذا مات له قريب قبل الحكم بموته نظر إن لم يكن له وارث إلا المفقود ، توقفنا حتى يبين أنه كان عند موت القريب حيا أو ميتا . وإن كان له وارث غير المفقود توقفنا في نصيب المفقود ، وأخذنا في حق كل واحد من الحاضرين بالأسوأ ، فمن يسقط منهم بالمفقود ، لا يعطى شيئا حتى يبين حاله ، ومن ينقص حقه بحياته يقدر في حقه حياته ، ومن ينقص حقه بموته يقدر في حقه موته . ومن لا يختلف نصيبه بحياته وموته ، يعطى نصيبه .

مثاله : زوج مفقود ، وأختان لأب وعم حاضرون ، فإن كان حيا فللأختين أربعة من سبعة ، ولا شيء للعم . وإن كان ميتا فلهما اثنان من ثلاثة ، والباقي للعم ، فيقدر في حقهم حياته .

أخ لأب مفقود ، وأخ لأبوين وجد حاضران ، فإن كان حيا فللأخ الثلثان ، وللجد الثلث . وإن كان ميتا ، فالمال بينهما بالسوية ، فيقدر في حق الجد حياته ، وفي حق الأخ موته .

أخ لأبوين مفقود ، وأختان لأبوين وزوج حاضرون ، فإن كان حيا ، فللزوج النصف ، والباقي بينهم ، فيكون للأختين الربع . وإن كان ميتا ، فللزوج ثلاثة من سبعة ، وللأختين أربعة من سبعة ، فيقدر في الزوج موته ، وفي حق الأختين حياته .

[ ص: 36 ] ابن مفقود ، وبنت وزوج ، للزوج الربع بكل حال . هذا الذي ذكرناه في كل الصور هو الصحيح وظاهر المذهب . وفي وجه : يقدر موته في حق الجميع ؛ لأن استحقاق الحاضرين معلوم ، واستحقاقه مشكوك فيه . فإن ظهر خلافه ، غيرنا الحكم . وفيه وجه آخر : تقدر حياته في حق الجميع ؛ لأن الأصل حياته . فإن ظهر خلافه غيرنا الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية