صفحة جزء
السبب الثالث : الحمل ونعني به كل حمل لو كان منفصلا لورث منه ، إما مطلقا ، وإما على تقدير . وهذا الحمل ، قد يكون من الميت ويرث لا محالة ، وقد يكون من غيره ، كما إذا كانت أمه حاملا من غير أبيه ، أو من أبيه والأب ميت ، أو ممنوع برق ونحوه ، وكذا زوجة ابنه أو أخيه أو جده والحمل من غيره ، قد لا يرث إلا على تقدير الذكورة ، كحمل امرأة الأخ والجد ، وقد لا يرث إلا على تقدير الأنوثة كما إذا ماتت عن زوج وأخت لأبوين وحمل من الأب ، وفيه فصلان .

[ الفصل ] الأول : فيما بعد الانفصال ، وإنما يرث بشرطين .

أحدهما : أن يعلم وجوده عند الموت فإذا كان الحمل منه ، وانفصل لما بين موته وبين أكثر مدة الحمل ورث لثبوت نسبه ، وإن انفصل لما بعد ذلك ، لم يرث . [ ص: 37 ] وإن كان من غيره نظر إن لم يكن لها زوج يطؤها ، فالحكم كما لو كان منه قطعا . وإن كان زوج يطؤها ، فإن انفصل قبل تمام ستة أشهر من وقت الموت ، فقد علم وجوده حينئذ . وإن انفصل لستة أشهر فأكثر ، لم يرث ، لاحتمال أن العلوق حصل بعده إلا أن يعترف جميع الورثة بوجوده عند الموت . وإذا مات حر عن أب رقيق تحته حرة حامل ، فإن ولدت قبل ستة أشهر من يوم الموت ورث المولود من أخيه ؛ لأن الأب رقيق لا يحجبه . وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يرث لاحتمال حدوث العلوق بعد الموت إلا أن يتفقوا على وجوده يومئذ ، وينبغي أن يمسك الأب عن الوطء حتى يظهر الحال . قال الإمام : ولا يحرم الوطء .

الشرط الثاني : أن ينفصل حيا ، فإن انفصل ميتا ، فكأن لا حمل ، سواء كان يتحرك في البطن أم لا ، وسواء انفصل ميتا بنفسه أو بجناية وإن كانت الجناية توجب الغرة ، وتصرف الغرة إلى ورثة الجنين ؛ لأن إيجاب الغرة لا يتعين له تقدير الحياة ، ألا ترى إلى قول الأصحاب : الغرة إنما وجبت لدفع الجاني الحياة مع تهيؤ الجنين لها ، وبتقدير أن يكون وجوب الغرة بتقدير الحياة ، فالحياة مقدرة في حق الجاني فقط تغليظا ، فتقدر في توريث الغرة فقط . واعلم أنه تشترط الحياة عند تمام الانفصال . فلو خرج بعضه حيا ، ومات قبل تمام الانفصال ، فهو كما لو خرج ميتا في الإرث وسائر الأحكام . حتى لو ضرب بطنها بعد خروج بعضه ، وانفصل ميتا ، فالواجب الغرة دون الدية . هذا هو الصحيح الذي عليه الجماهير . وعن القفال وغيره : [ أنه ] إذا خرج بعضه حيا ، ورث وإن انفصل ميتا ، وبه قال أبو خلف الطبري من أصحابنا . ولو مات عقب انفصاله حيا حياة مستقرة ، ورث ، ونصيبه لورثته . وتعلم الحياة المستقرة : بصراخه ، وكذا بالبكاء ، أو العطاس ، أو التثاؤب ، أو امتصاص الثدي ، لدلالتها على الحياة . وحكى الإمام اختلاف قول في الحركة والاختلاج ، ثم قال : [ ص: 38 ] وليس موضع القولين ما إذا قبض اليد وبسطها - فإن هذه الحركة تدل على الحياة قطعا - ولا الاختلاج الذي يقع مثله لانضغاط وتقلص عصب فيما أظن ، وإنما الاختلاف فيما بين هاتين الحركتين . والظاهر : كيفما قدر الخلاف : أن ما لا تعلم به الحياة ، ويمكن أن يكون مثله لانتشار بسبب الخروج من المضيق أو لاستواء عن التواء ، فلا عبرة به كما لا عبرة بحركة المذبوح .

فرع

لو ذبح رجل ، فمات أبوه وهو يتحرك ، لم يرثه المذبوح على الصحيح . وحكى الروياني وجها : أنه يرث . وحكى الحناطي قريبا منه عن المزني .

قلت : هذا الوجه غلط ظاهر ، فإن أصحابنا قالوا : من صار في حال النزع ، فله حكم الميت ، فكيف الظن بالمذبوح - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية