صفحة جزء
الفصل الثاني : فيما قبل الانفصال ، ومتى ظهرت مخايل الحمل فلا بد من التوقف كما سنفصله - إن شاء الله تعالى - . وإن لم تظهر مخايله ، وادعت المرأة الحمل ، ووصفت علامات خفية ، ففيه تردد للإمام . والظاهر : الاعتماد على قولها . وطرد التردد فيما إذا لم تدعه لكنها قريبة عهد بالوطء ، واحتمال الحمل قريب . إذا عرف هذا ، فإن لم يكن للميت وارث سوى الحمل المنتظر ، وقفنا المال إلى أن ينفصل . وإن كان له وارث آخر ، ففي وجه حكاه الفوراني ، وحكاه الشيخ أبو خلف قولا عن رواية الربيع : أنه يوقف جميع المال . والصحيح المشهور : أنه لا يوقف الجميع ، بل ينظر في الورثة الظاهرين ، فمن احتمل حجبه بالحمل ، لم يدفع إليه شيء ومن لا يحجبه الحمل بحال وله مقدر لا ينقص دفع إليه . وإن أمكن العول ، دفع إليه ذلك القدر عائلا .

[ ص: 39 ] مثاله : زوجة حامل ، وأبوان ، يدفع إليها ثمن عائل ، وإليهما سدسان عائلان ؛ لاحتمال أن الحمل بنتان . وإن لم يكن له نصيب مقدر كالأولاد ، فالصرف إليهم مبني على أن أقصى عدد الحمل هل له ضبط ؟ وفيه وجهان : الأصح أو الصحيح : أنه لا ضبط [ له ] ، وبه قال شيخا المذهب : أبو حامد ، والقفال ، والعراقيون ، والصيدلاني ، والقاضي حسين ؛ لأنه وجد خمسة في بطن [ واثنا عشر في بطن ] . والثاني : أن أقصى الحمل أربعة ، وبهذا قطع ابن كج والغزالي ، وجعله الفرضيون قياس قول الشافعي - رضي الله عنه - ، وأرادوا أن الشافعي - رضي الله عنه - ، يتبع في مثل ذلك الوجود ، وأكثر الذي وجد أربعة ، لكن هذا الذي قالوه مشكل بما نقله الأولون . فعلى الأول : لو خلف ابنا وأم ولد حاملا ، لم يصرف إلى الابن شيء . ولو خلف ابنا وزوجة حاملا ، فلها الثمن ، ولا يدفع إلى الابن شيء .

وعلى الثاني : له الخمس أو خمس الباقي على تقدير أنهم أربعة ذكور . وعلى هذا ، هل يمكن الذين صرف إليهم حصتهم من التصرف فيها ؟ وجهان : أصحهما : نعم ، وإلا لم يدفع إليهم . والثاني : المنع ، قال القفال : لأنه قد يهلك الموقوف للحمل ، فيحتاج إلى الاسترداد ، والحاكم وإن كان يلي أمر الأطفال ، فلا يلي أمر الأجنة ، فلا يمكن حمل ما جرى على القسمة . ثم الموقوف للحمل على الوجه الثاني ، قد يكون بتقدير الذكورة أكثر ، وقد يكون بتقدير الأنوثة أكثر ، بأن خلفت زوجا وأما حاملا من أبيها ، فإن كان الحمل ذكرا ، فله سدس المال . وإن كانوا ذكورا ، فثلث المال . وإن كان أنثيين ، عالت المسألة إلى ثمانية ، فيدفع إلى الزوج ثلاثة من ثمانية ، وإلى الأم سهم ، ويوقف أربعة .

[ ص: 40 ] فرع

مات كافر عن زوجة حامل ، وقفنا الميراث للحمل ، فأسلمت ثم ولدت ، ورث الولد وإن كان محكوما بإسلامه ، لأنه كان محكوما بكفره يوم الموت .

فرع

مات عن ابن وزوجة حامل ، فولدت ابنا وبنتا ، فاستهل أحدهما ووجدا ميتين ، ولم يعلم المستهل ، أعطي كل وارث أقل ما يصيبه ، ويوقف الباقي حتى يصطلحوا أو تقوم بينة .

السبب الرابع : [ الخنوثة ] سبق في كتاب الطهارة ، بيان ما تعرف به ذكورته وأنوثته . فلو مات له مورث في مدة إشكاله ، نظر إن لم يختلف ميراثه بالذكورة والأنوثة ، كولد الأم والمعتق ورث . وإن اختلف ، أخذ في حق الخنثى ومن معه من الورثة باليقين ، ويوقف المشكوك فيه ، فإن كان يرث على أحد تقديري الأنوثة والذكورة ، دون الآخر ، لم يدفع إليه شيء ، ووقف ما يرثه على ذلك التقدير . وكذا من يرث معه على أحد التقديرين . وإن كان الخنثى يرث على التقديرين ، لكن يرث على أحدهما أقل ، دفع إليه الأقل ، ووقف الباقي ، وكذلك في حق من يرث معه على التقديرين ، ويختلف قدر ما يأخذه . وإن كان من معه يرث على التقديرين ، ولا يختلف حقه ، دفع إليه حقه . ولنا وجه : أنه يؤخذ في حق الخنثى باليقين ، ويصرف الباقي إلى باقي الورثة ، حكاه الأستاذ أبو منصور ، ونسبه ابن اللبان إلى تخريج ابن سريج . وحكى وجهين في أنه هل يؤخذ من باقي الورثة ضمين ؟

[ ص: 41 ] فرع

المال الموقوف بسبب الخنثى لا بد من التوقف فيه ما دام الخنثى باقيا على إشكاله . فإن مات ، فالمذهب : أنه لا بد من الاصطلاح عليه . وحكى أبو ثور عن الشافعي - رضي الله عنه - : أنه يرد إلى ورثة الميت الأول .

فرع

لو اصطلح الذين وقف المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز ، قال الإمام : ولا بد أن يجري بينهما تواهب ، وإلا لبقي المال على صورة التوقف ، وهذا التواهب لا يكون إلا عن جهالة ، لكنها تحتمل للضرورة . ولو أخرج بعضهم نفسه من البين ، ووهبه لهم على جهل بالحال ، جاز أيضا .

فرع

لو قال الخنثى في أثناء الأمر : أنا رجل ، أو قال : أنا امرأة ، قطع الإمام بأنه يقضى بقوله ، ولا نظر إلى التهمة ، فإنه لا اطلاع عليه إلا من جهته . وحكى أبو الفرج السرخسي هذا عن نصه هنا ، قال : ونص فيما إذا جني عليه واختلف الجاني والخنثى في ذكورة الخنثى : أن القول قول الجاني . ومنهم من نقل وخرج ، ومنهم من فرق بأنا عرفنا هناك أصلا ثابتا ، وهو براءة ذمة الجاني ، فلا نرفعه بقوله ، وهنا بخلافه . وإذا قبلنا قوله ، حلفناه عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية