صفحة جزء
الباب الثامن في الرد وذوي الأرحام

أصل المذهب فيهما وما اختاره الأصحاب لضرورة فساد بيت المال ، ذكرناه في أول الكتاب . فإذا قلنا بالرد ، فمقصود الفتوى منه أنه إن لم يكن ممن يرد عليه من ذوي الفروض إلا صنف ، فإن كان شخصا واحدا ، دفع إليه الفرض ، والباقي بالرد . وإن كانوا جماعة ، فالباقي بينهم بالسوية . وإن اجتمع صنفان فأكثر ، رد الفاضل عليهم بنسبة سهامهم . وأما الحساب وتصحيح المسائل ، فيذكر - إن شاء الله تعالى - في باب الحساب .

فصل

وأما توريث ذوي الأرحام ، فالذاهبون إليه منا اختلفوا في كيفيته ، فأخذ بعضهم بمذهب أهل التنزيل ، وبه قطع ابن كج وصاحب ( المهذب ) والإمام ، لأن القائلين ممن ورثهم من الصحابة فمن بعدهم - رضي الله عنهم - أكثر ، ومنهم من أخذ بمذهب أهل القرابة ، وهو مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، وبه قطع البغوي والمتولي ، وسمي الأولون : أهل التنزيل ، لتنزيلهم كل فرع منزلة أصله ، وسمي الآخرون : أهل القرابة ، لأنهم يورثون الأقرب فالأقرب كالعصبات .

قلت : الأصح الأقيس : مذهب أهل التنزيل . وللقائلين بتوريث ذوي الأرحام مذاهب غير هذين ، لكن الذي اختاره أصحابنا منها هذان . - والله أعلم - .

[ ص: 46 ] والمذهبان متفقان على أن من انفرد من ذوي الأرحام ، يحوز جميع المال ذكرا كان أو أنثى ، وإنما يظهر الاختلاف عند اجتماعهم . وبيان ذلك في طرفين [ الطرف ] الأول : فيما إذا انفرد صنف منهم ، فمن الأصناف : أولاد البنات [ وبنات ابنة الابن ، فأهل التنزيل ينزلونهم منزلة البنات ] وبنات الابن ، ويقدمون منهم من سبق إلى الوارث ، فإن استووا في السبق إلى الوارث ، قدر كأن الميت خلف من يدلون [ به ] من الورثة واحدا كان أو جماعة ، [ ثم ] يجعل نصيب كل واحد للمدلين به على حسب ميراثهم لو كان هو الميت ، وقال أهل القرابة : إن اختلفت درجاتهم ، فالأقرب إلى الميت أولى ذكرا كان أو أنثى ، فتقدم بنت البنت على بنت بنت البنت ، وعلى ابن بنت البنت . وإن لم تختلف ، فإن كان فيهم من يدلي بوارث ، فهو أولى ، فتقدم بنت بنت الابن على بنت بنت البنت . هذا إذا أدلى بنفسه إلى الوارث ، أما إذا أدلى بواسطة ، كبنت [ بنت ] بنت الابن مع بنت بنت بنت البنت ، فلأصحاب أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، فيه اختلاف . والصحيح عندهم : أن لا ترجيح .

ومقتضى ما ذكره أصحابنا ، الترجيح ، كما لو أدلى بنفسه . وإن استووا في الإدلاء ، ورثوا جميعا . وكيف يرثون ؟ اختلف فيه أبو يوسف ومحمد ، فقال أبو يوسف : يعتبرون بأنفسهم . فإن كانوا ذكورا أو إناثا ، سوي بينهم . فإن اختلطوا ، فللذكر مثل حظ الأنثيين . وقال محمد : ينظر في المتوسطين بينهم وبين الميت من ذوي الأرحام . فإن اتفقوا ذكورة وأنوثة ، فالجواب كذلك . وإن اختلفوا ، فإما أن يكون الاختلاف في بطن واحد ، وإما في أكثر . فإن كان في بطن ، قسمنا المال بين بطن الاختلاف ، وجعلنا كل ذكر [ ص: 47 ] بعدد أولاده الذين يقسم ميراثهم ذكورا ، وكل أنثى بعدد أولادها الذين يقسم ميراثهم إناثا ، ويقسم المال بين الذكور والإناث الحاصلين من هذا التقدير للذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم ما أصاب كل واحد من الصنفين ، يقسم بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين . وإن كان الاختلاف في أكثر من بطن ، قسم المال بين أعلى بطون الاختلاف كما ذكرنا ، ثم ما أصاب كل واحد من الصنفين ، قسم على أولاده الذين فيهم الاختلاف على النحو المذكور في البطن الأول ، [ وهكذا ] يفعل حتى تنتهي القسمة إلى الأحياء . قال الناقلون : كل واحد من أبي يوسف ومحمد ، يدعي أن قوله قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، والأكثرون صدقوا محمدا ، لكن متأخروهم يفتون بقول أبي يوسف ، وكذلك قال البغوي والمتولي : إنه أظهر الروايتين . والمذهبان متفقان على تفضيل الذكر على الأنثى في القسمة . وفي " التتمة " وجه آخر : أنه يسوى بين الذكر والأنثى ، قال : وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني .

التالي السابق


الخدمات العلمية