صفحة جزء
المسألة الخامسة : في كيفية حساب المنفعة من الثلث .

فإن أوصى بالمنفعة أبدا ، فوجهان .

ويقال : قولان .

أصحهما عند الجمهور وهو نصه في اختلاف العراقيين وفي " الإملاء " وبه قال ابن الحداد : [ أنه ] تعتبر الرقبة بتمام منافعها من الثلث ; لأنه حال بين الوارث وبينها ، ولأن المنفعة المؤبدة لا يمكن تقويمها ; لأن مدة [ ص: 192 ] [ عمره ] غير معلومة وإذا تعذر تقويم المنافع تعين تقويم الرقبة .

والثاني خرجه ابن سريج : أن المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها ، وقيمتها مسلوبة المنافع ، واختاره الغزالي وطائفة .

فعلى هذا ، هل تحسب قيمة الرقبة من التركة أم لا ؟ كما لا تحسب على الموصى له ؟ وجهان .

أصحهما : الأول .

مثاله : أوصى بعبد قيمته بمنافعه ، مائة .

ودون المنافع عشرة .

فعلى المنصوص : تعتبر المائة من الثلث .

ويشترط أن يكون له مائتان سوى العبد .

وعلى الثاني المعتبر تسعون .

فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين مع العشرة على وجه ، ودونها على وجه .

أما إذا أوصى بمنفعته مدة ، كسنة ، أو شهر ، ففيه طرق .

أحدها : طرد الخلاف ، كالوصية المؤبدة .

والثاني : إن اعتبرنا هناك ما بين القيمتين ، فهنا أولى ، وإلا ، فوجهان .

أحدهما : التفاوت .

والثاني : الرقبة .

والطريق الثالث : أن المعتبر من الثلث أجرة مثل تلك المدة .

والرابع وهو أصحها : يقوم العبد بمنافعه ، ثم مسلوبا منفعته تلك المدة ، فما نقص حسب من الثلث .

وقيمة الرقبة في هذه الحالة ، محسوبة من التركة بلا خلاف .

ويتفرع على الخلاف صور .

إحداها : أوصى بمنفعة عبده ثلاث سنين ، ولا مال سواه ، إن اعتبرنا قيمة الرقبة من الثلث ، صحت الوصية في منافع الثلث ، وردت في الباقي .

وإن اعتبرنا ما نقص ، وكان النقص نصف القيمة ، فهل ترد الوصية في سدس العبد ؟ أم ينقص من آخر المدة سدسها ؟ وجهان .

أصحهما الأول ; لأن قيمة المنافع تختلف بالأوقات .

الصورة الثانية : أوصى لرجل برقبته ، ولآخر بمنفعته .

إن قلنا : [ يعتبر من ] الثلث تمام القيمة ، نظر فيما سواه من التركة ، وأعطي كل واحد حقه كاملا أو غير كامل ، وإن قلنا : المعتبر التفاوت ، فإن حسبنا الرقبة على الوارث ، إذا بقيت له ، [ ص: 193 ] حسب هنا كمال القيمة عليهما ، وإلا ، لم تحسب أيضا على الموصى له بها .

وتصح وصيته من غير اعتبار الثلث .

كذا ذكره المتولي .

[ الصورة ] الثالثة : أوصى بالرقبة لرجل ، وأبقى المنفعة للورثة ، فإن قلنا : المعتبر من الثلث كمال القيمة ، لم تعتبر هذه الوصية من الثلث ، لجعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة .

وإن قلنا : المعتبر التفاوت ، فإن حسبنا قيمة الرقبة على الوارث ، حسبت هنا قيمة الرقبة على أهل الوصايا ، وتدخل في الثلث ، وإلا ، فهنا يحسب قدر التفاوت على الوارث ، ولا تحسب قيمة الرقبة على أهل الوصايا .

[ الصورة ] الرابعة : العبد الموصى بمنفعته ، لو غصبه غاصب ، فلمن تكون أجرة المدة التي كانت في يد الغاصب ؟ قال في " التتمة " : إن قلنا : المعتبر من الثلث جميع القيمة ، فهي للموصى له ، وكأنه فوت الرقبة على الوارث ، وإلا ، فوجهان .

أحدهما : أنها للوارث ، كما لو غصب المستأجر .

والصحيح : أنها للموصى له ; لأنه بدل حقه ، بخلاف الإجارة ، فإنها تنفسخ في تلك المدة فتعود المنافع إلى مالك الرقبة .

[ الصورة ] الخامسة : أوصى بثمرة بستانه ، يخرج على الخلاف .

ففي وجه : تعتبر جميع قيمة البستان من الثلث .

وفي وجه : ما بين قيمته بمنافعه وفوائده ، وبين قيمته مسلوب الفوائد .

فإن احتمله الثلث ، فذاك ، وإلا ، فللموصى له القدر الذي يحتمله ، والباقي للوارث .

فإن لم يحتمل إلا نصفه ، فله من ثمره كل عام النصف . والباقي للوارث .

[ ص: 194 ] فرع لابن الحداد : أوصى لرجل بدينار كل شهر من غلة داره ، أو كسب عبده ، وجعله بعده لوارث الرجل ، أو للفقراء والمساكين ، والغلة والكسب عشرة مثلا ، فاعتبار هذه الوصية من الثلث كاعتبار الوصية بالمنافع مدة معلومة ، لبقاء بعض المنافع لمالك الرقبة ، فيكون المذهب فيهما : أن المعتبر من الثلث قدر التفاوت بين القيمتين .

ثم ينظر ، فإن خرجت الوصية من الثلث ، قال ابن الحداد : ليس للورثة أن يبيعوا بعض الدار ويدعوا ما يحصل منه دينار ; لأن الأجرة تختلف ، فقد تنقص فتعود إلى دينار أو أقل ، فيكون الجميع للموصى له .

وهذا إذا أرادوا بيع بعضها على أن تكون الغلة للمشتري .

فأما بيع مجرد الرقبة ، فعلى ما سبق من الخلاف في بيع الوارث الموصى بمنفعته .

وإن لم يخرج من الثلث ، فالزائد على الثلث رقبة وغلة للوارث يتصرف فيه كيف شاء .

ولو كانت الوصية بعشر الغلة كل سنة ، فما سوى العشر للوارث يتصرف فيه كيف شاء .

فرع : أوصى لشخص بدينار كل سنة ، حكى الإمام : أن الوصية صحيحة في السنة الأولى بدينار .

وفيما بعدها قولان .

أحدهما : الصحة ; لأن الجهالة لا تمنع صحة الوصية ، ولأن الوصية بالمنافع صحيحة لا إلى غاية .

وأظهرهما : البطلان ; لأنه لا يعرف قدر الموصى به ليخرج من الثلث .

فإن صححنا ، فإن لم يكن هناك وصية أخرى ، فللورثة التصرف في ثلثي التركة قطعا .

وفي ثلثها وجهان .

أحدهما : ينفذ التصرف [ ص: 195 ] بعد إخراج الدينار الواحد ؛ لأنا لا نعلم استحقاق الموصى له في المستقبل .

الثاني : أنه يوقف ; لأن الاستحقاق ثبت إلى أن يظهر قاطع .

فإن قلنا بالتوقف ، وبقي الموصى له إلى أن استوعبت دنانيره الثلث ، فذاك .

وإن مات ، فعن صاحب التقريب : أن بقية الثلث تسلم لورثة الموصي .

قال الإمام : وفيه نظر ; لأن هذه الوصية إذا صححناها ، كالوصية بالثمار بلا نهاية ، فوجب انتقال الحق إلى ورثة الموصى له .

وإن نفذنا تصرفهم ، فكلما انقضت سنة ، طالب الموصى له الورثة بدينار ، وكان ذلك كوصية تظهر بعد قسمة التركة .

وإن كان هناك وصايا أخر .

قال صاحب " التقريب " : يوزع الثلث بعد الدينار الواحد على أصحاب الوصايا ، ولا يتوقف .

فإذا انقضت سنة أخرى ، استرد منهم بدينار ما يقتضيه التقسيط .

قال الإمام : هذا بين إذا كانت الوصية مقيدة بحياة الموصى له .

فأما إذا لم نقيد ، وأقمنا ورثته مقامه ، فهو مشكل لا يهتدى إليه .

فرع : لو انهدمت الدار الموصى بمنافعها ، فأعادها الوارث بآلتها ، هل يعود حق الموصى له ؟ وجهان .

ولو أراد الموصى له إعادتها بآلتها ، فعلى الوجهين .

قلت : أصحهما العود .

والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية