صفحة جزء
[ ص: 337 ] السبب السابع : المخالفة في الحفظ . فإذا أمره بحفظها على وجه مخصوص ، فعدل إلى وجه آخر وتلفت ، فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول إليها ، ضمن ، وكانت المخالفة تقصيرا . وإن تلفت بسبب آخر ، فلا ضمان .

هذه جملة السبب ، ولتفصيلها صور .

إحداها : أودعه مالا في صندوق وقال : لا ترقد ، فرقد عليه ، نظر ، إن خالف بالرقود ، بأن انكسر رأس الصندوق بثقله ، أو تلف ما فيه ، ضمن ، وإلا فإن كان في بيت محرز ، أو في صحراء فأخذه لص ، فلا ضمان على الصحيح ؛ لأنه زاده خيرا . وإن كان في صحراء وأخذه لص من جانب الصندوق ، ضمن على الأصح . وإنما يظهر هذا ، إذا سرق من جانب لو لم يرقد عليه لرقد هناك ، وقد تعرض بعضهم لهذا القيد .

ولو قال : لا تقفل عليه ، فأقفل ، أو لا تقفل إلا قفلا ، فأقفل قفلين ، أو لا تغلق باب البيت ، فأغلقه ، فلا ضمان على الصحيح . ولو أمره بدفنها في بيته وقال : لا تبن ، فبنى ، فهو كما لو قال : لا ترقد عليه ، فرقد ، ثم هو عند الاسترداد منقوص غير مغروم على المالك ، كما لو نقل الوديعة عند الضرورة لا يرجع بالأجرة على المالك ؛ لأنه متطوع ، نص عليه في ( ( عيون المسائل ) ) .

[ الصورة ] الثانية : أودعه دراهم أو غيرها وقال : اربطها في كمك ، فأمسكها ، نقل المزني : أنه لا ضمان . ونقل الربيع : أنه يضمن . وللأصحاب ثلاثة طرق :

أحدها : إطلاق قولين . والثاني : أنه إن لم يربطها في الكم واقتصر على الإمساك ، ضمن ، وإن أمسك باليد بعد الربط ، لم يضمن ، والثالث - وهو أصحها : إن تلفت بأخذ غاصب ، فلا ضمان ؛ لأن اليد أحرز بالنسبة إليه . وإن سقطت بنوم أو نسيان ، ضمن ؛ لأنها [ ص: 338 ] لو كانت مربوطة لم تضع بهذا السبب ، فالتلف حصل بالمخالفة . ولفظ النص في ( ( عيون المسائل ) ) مصرح بهذا التفصيل . ولو لم يربطها في الكم وجعلها في جيبه ، لم يضمن ؛ لأنه أحرز ، إلا إذا كان واسعا غير مزرور . وفي وجه ضعيف : يضمن ، وبالعكس يضمن قطعا . أما إذا امتثل فربطها في كمه ، فلا يكلف معه الإمساك باليد ، ثم ينظر إن جعل الخيط الرابط خارج الكم فأخذها الطرار ، ضمن ؛ لأن فيه إظهار الوديعة وتنبيه الطرار ؛ لأنه أسهل عليه في قطعه وحله . وإن ضاع بالاسترسال وانحلال العقدة ، لم يضمن إذا كان قد احتاط في الربط ؛ لأنها إذا انحلت بقيت الدراهم في الكم .

وإن جعل الخيط الرابط داخل الكم ، انعكس الحكم . فإن أخذها الطرار ، لم يضمن . وإن ضاعت بالاسترسال ، ضمن ؛ لأن العقدة إذا انحلت تناثرت الدراهم ، هكذا قاله الأصحاب ، وهو مشكل ؛ لأن المأمور به مطلق الربط . فإذا أتى به ، وجب أن لا ينظر إلى جهات التلف ، بخلاف ما إذا عدل عن المأمور به إلى غيره فحصل به التلف .

فرع

لو أودعه دراهم في سوق أو طريق ، ولم يقل : اربطها في كمك ، ولا أمسكها في يدك ، فربطها في الكم وأمسكها باليد ، فقد بالغ في الحفظ . وكذا لو جعلها في جيبه وهو ضيق ، أو [ واسع ] مزرور . فإن كان واسعا غير مزرور ، ضمن ، لسهولة تناولها باليد . ولو أمسكها بيده ولم يربطها ، لم يضمن إن تلفت بأخذ غاصب ، ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم . فلو ربطها ولم يمسكها بيده ، فقياس ما سبق أن ينظر إلى كيفية الربط وجهة التلف . ولو وضعها في الكم ولم يربطها فسقطت ، فإن كانت خفيفة لا يشعر بها ، [ ص: 339 ] ضمن ؛ لتفريطه في الإحراز ، وإن كانت ثقيلة يشعر بها ، لم يضمن ، ذكره في ( ( المهذب ) ) وقياس هذا يلزم طرده فيما سبق من صور الاسترسال كلها . ولو وضعها في كور عمامته ولم يشد ، ضمن .

فرع

أودعه في سوق وقال : احفظها في بيتك ، فينبغي أن يمضي إلى بيته ويحفظها فيه . فإن أخر من غير عذر ، ضمن . وإن أودعه في البيت وقال : احفظها في البيت فربطها في الكم وخرج بها ، صارت مضمونة عليه . وكذا لو لم يخرج بها وربطها في الكم مع إمكان إحرازها في الصندوق ونحوه ، وإن كان ذلك لقفل تعذر فتحه ونحوه . لم يضمن .

قال في المعتمد : وإن شدها في عضده وخرج بها ، فإن كان الشد مما يلي الأضلاع ، لم يضمن ؛ لأنه أحرز من البيت ، وإن كان من الجانب الآخر ، ضمن ؛ لأن البيت أحرز منه . وفي تقييدهم الصورة بما إذا قال : احفظها في البيت ، إشعار بأنه لو أودعه في البيت ولم يقل شيئا ، يجوز له أن يخرج بها مربوطة ، ويشبه أن يكون الرجوع إلى العادة .

الصورة الثالثة : إذا عين للوديعة مكانا فقال : احفظها في هذا البيت أو في هذه الدار ، فإما أن يقتصر عليه ، وإما أن ينهاه مع ذلك عن النقل ، فإن اقتصر عليه فنقلها إلى ما دونه في الحرز ، ضمن على الصحيح ، وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها . وإن نقلها إلى بيت مثل الأول ، لم يضمن ، إلا أن يتلف بسبب النقل ، كانهدام البيت المنقول إليه ، فيضمن ؛ لأن التلف حصل بالمخالفة . والسرقة من المنقول إليه كالانهدام ، قاله البغوي والمتولي . وفي كلام الغزالي ما يقتضي إلحاق السرقة والغصب بالموت ، وكذا صرح به بعضهم .

وإن نهاه فقال : احفظ في هذا البيت ولا تنقلها ، فإن نقلها من غير ضرورة ، ضمن ؛ لصريح المخالفة من غير حاجة ، سواء كان [ ص: 340 ] المنقول إليه أحرز أو لم يكن . قال الإصطخري : إن كان أحرز من الأول أو مثله ، لم يضمن ، والصحيح الأول . وإن نقل لضرورة غارة ، أو غرق ، أو حريق ، أو غلبة لصوص ، لم يضمن ، وإن كان المنقول إليه حرزا لمثلها . ولا بأس بكونه دون الأول إذا لم يجد أحرز منه . ولو ترك النقل والحالة هذه ، ضمن على الأصح ؛ لأن الظاهر أنه أراد بالنهي تحصيل الاحتياط .

ولو قال : لا تنقلها وإن حدثت ضرورة ، فإن لم ينقلها ، لم يضمن على الصحيح ، كما لو قال : أتلف مالي ، فأتلفه ، لا يضمن ، وإن نقل لم يضمن على الأصح ؛ لأنه قصد الصيانة .

وحيث قلنا : لا يجوز النقل إلا لضرورة ، فاختلفا في وقوعها ، فإن عرف هناك ما يدعيه المودع ، صدق بيمينه ، وإلا طولب بالبينة ، فإن لم تكن بينة ، صدق المالك بيمينه . وحكى أبو الفرج الزاز وجها ، أن ظاهر الحال يغنيه عن اليمين ، ثم ذكر الأئمة أن جميع هذا فيما إذا كان البيت أو الدار المعينة للمودع . أما إذا كان للمالك ، فليس للمودع إخراجها من ملكه بحال ، إلا أن تقع ضرورة .

الصورة الرابعة : إذا نقلها من ظرف إلى ظرف ، كخريطة إلى خريطة ، وصندوق إلى صندوق ، فالمتلخص من كلام الأصحاب على اضطرابه ، أنه إن لم يجر فتح قفل ولا فض ختم ولا خلط ، ولم يعين المالك ظرفا ، فلا ضمان لمجرد النقل ، سواء كانت الصناديق للمودع أو للمالك . وإذا كانت للمالك ، فحصولها في يد المودع قد يكون بجهة كونها وديعة أيضا . إما فارغة ، وإما مشغولة بالوديعة ، وقد تكون بجهة العارية . وإن جرى شيء من ذلك ، فالفض والفتح والخلط سبق أنها مضمنة . وإن عين ظرفا ، نظر ، إن كانت الظروف للمالك ، فوجهان . أحدهما : يضمن . وأصحهما : لا لأنهما وديعتان ، وليس فيه إلا حفظ أحدهما في حرز والأخرى في آخر . فعلى هذا إن نقل إلى ما دون الأول ، ضمن ، وإلا ، فلا . وإن كانت الظروف للمودع ، فهي كالبيوت بلا خلاف .

[ ص: 341 ] الصورة الخامسة : قال : احفظ وديعتي في هذا البيت ، ولا تدخل إليها أحدا ، أو لا تستعن على حفظها بالحارسين ، فخالف ، فإن حصل التلف بسبب المخالفة ، بأن سرقها الذين أدخلهم ، أو الحارسون ، ضمن . وإن سرق غيرهم أو وقع حريق ، فلا ضمان .

[ الصورة ] السادسة : أودعه خاتما وقال : اجعله في خنصرك ، فجعله في بنصره ، فهو أحرز ، لكن لو انكسر لغلظها ، أو جعله في الأنملة العليا ، ضمن . وإن قال : اجعله في البنصر ، فجعله في الخنصر ، فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر ، فالذي فعله أحرز ، ولا ضمان . وإن كان ينتهي إليه ، ضمن . وإن أودعه الخاتم ولم يقل شيئا ، فإن جعله في غير الخنصر ، لم يضمن ، إلا أن غير الخنصر في حق المرأة كالخنصر . وإن جعله في الخنصر ، ففيه احتمالان عن القاضي حسين وغيره . أحدهما : يضمن ؛ لأنه استعمال . والثاني : إن قصد الحفظ ، لم يضمن . وإن قصد الاستعمال ، ضمن وفي ( ( الرقم ) ) للعبادي : أنه إن جعل فصه إلى ظهر الكف ، ضمن . وإلا فلا .

قلت : المختار أنه يضمن مطلقا ، إلا إذا قصد الحفظ . والله أعلم .

[ الصورة ] السابعة : أودعه وقال : لا تخبر بها ، فخالف ، فسرقها من أخبره ، أو من أخبره من أخبره ، ضمن . ولو تلفت بسبب آخر ، لم يضمن . وقال العبادي : لو سأله رجل فقال : هل عندك لفلان وديعة ؟ فأخبره ، ضمن ؛ لأن كتمها من حفظها .

التالي السابق


الخدمات العلمية