صفحة جزء
فصل

بعث الإمام أو أمير الجيش سرية إلى دار الحرب وهو مقيم ببلده ، فغنمت ، لم يشاركها الإمام ومن معه من الجيش .

قلت : سواء كانت دار الحرب قريبة من الإمام ، أم لا . حتى لو بعث سرية ، وقصد الخروج وراءها ، فغنمت السرية قبل خروجه ، لم يشاركها وإن قربت دار الحرب ؛ لأن الغنيمة للمجاهدين ، وقبل الخروج ليسوا مجاهدين . والله أعلم .

ولو بعث سريتين إلى جهتين ، لم تشارك إحداهما الأخرى . فلو أوغلتا في ديار الكفار ، والتقتا في موضع ، اشتركتا فيما غنمتا بعد الاجتماع . ولو بعثهما إلى جهة واحدة ، فإن أمر عليهما أميرا واحدا ، أو كانت إحداهما قريبة من الأخرى ، بحيث تكون كل واحدة عونا للأخرى ، اشتركتا ، وإلا ، فلا . ولو دخل الإمام أو الأمير دار الحرب ، وبعث سرية في ناحية ، فغنمت ، شاركهم جيش الإمام . ولو غنم الجيش ، شاركته السرية ، لاستظهار كل بالآخر . ولو بعث سريتين إلى جهة ، اشترك الجميع فيما يغنم كل منهم . ولو بعثهما إلى جهتين ، فكذلك على الصحيح . وقيل : لا شركة بين السريتين هنا .

ثم ذكر ابن كج والإمام أن شرط الاشتراك أن يكونوا بالقرب مترصدين للنصرة . وحد القرب : أن يبلغهم الغوث والمدد منهم إن احتاجوا ، ولم يتعرض أكثر الأصحاب لهذا ، واكتفوا باجتماعهم في دار الحرب .

[ ص: 380 ] قلت : هذا المنقول عن الأكثرين ، هو الأصح أو الصحيح . والله أعلم .

فعلى الأول ، لو كانت إحداهما قريبة ، والأخرى بعيدة ، اختصت القريبة بالمشاركة .

فرع

بعث الإمام جاسوسا ، فغنم الجيش قبل رجوعه ، شاركهم على الأصح ، وبه قال الداركي ؛ لأنه فارقهم لمصلحتهم ، وخاطر بما هو أعظم من شهود الوقعة .

فصل

إذا شهد الأجير مع المستأجر الوقعة ، نظر ، إن كانت الإجارة لعمل في الذمة بغير تعيين مدة ، كخياطة ثوب وبناء حائط ، استحق السهم قطعا . وإن تعلقت بمدة معينة ، بأن استأجره لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة شهرا ، فنقل الغزالي والبغوي : أنه إن لم يقاتل ، فلا سهم له ، وإن قاتل ؛ فثلاثة أقوال .

وأطلق المسعودي وآخرون الأقوال من غير فرق بين أن يقاتل ، أو لا . وكذلك أطلقها الشافعي - رضي الله عنه - في المختصر . أظهرها : له السهم ؛ لحضور الوقعة . والثاني : لا . وعلى هذين ، يستحق الأجرة بمقتضى الإجارة . والثالث : يخير بين الأجرة والسهم . فإن اختار الأجرة ، فلا سهم . وإن اختار السهم ، فلا أجرة .

قال صاحب ( ( الإفصاح ) ) : هذا الثالث هو فيما إذا استأجر الإمام لسقي الغزاة وحفظ دوابهم من سهم الغزاة من الصدقات ، فيخيره الإمام ، أما أجير آحاد الناس فلا يجيء فيه هذا القول ؛ لأن الإجارة لازمة ، إلا أن يكون الجاري بينهما صورة جعالة . وقال الأكثرون : [ ص: 381 ] يجري القول الثالث في كل أجير ، كما أطلقه الشافعي - رحمه الله - ؛ لأن لزوم الإجارة لا يختلف . ثم على الثالث ، إذا اختار السهم ، ففيما يسقط من الأجرة وجهان : أحدهما : قسطها من وقت دخول دار الحرب . وأصحهما : من وقت شهود الوقعة .

وأما وقت تخييره ، فنقل في ( ( الشامل ) ) عن الأصحاب أنهم قالوا : يخير ، إما قبل القتال ، وإما بعده . فيقال قبله : إن أردت القتال ، فاطرح الأجرة ، وإن أردت الأجرة فاطرح الجهاد . ويقال بعده : إن كنت قصدت الجهاد ، فلا أجرة لك ، وإن كنت قصدت الأجرة ، فخذها ولا سهم لك . والمراد أنه يحصل الغرض بكل واحد منهما ، إلا أنه يخير في الحالتين جميعا .

فرع

إذا أسهمنا للأجير ، فله السلب إذا قتل . وإن لم نسهم ، فوجهان . وعلى هذا ، يرضخ له على الصحيح كالعبد . وقيل : لا ؛ لأنه لم يسهم له ، وهو من أهله ، بخلاف العبد .

فرع

هذا المذكور في الأجير لغير الجهاد . فأما الأجير للجهاد ، ففي صحة استئجار الذمي والمسلم كلام يأتي في ( ( السير ) ) إن شاء الله تعالى . فإن صحت الإجارة ، فله الأجرة ، ولا سهم ولا رضخ ، وإلا ، فلا أجرة . وفي سهم الغنيمة وجهان . أحدهما : يستحقه ؛ لشهوده الوقعة . والثاني : المنع ، وبه قطع البغوي ، قاتل ، أم لا ؛ لأنه أعرض عنه بالإجارة .

[ ص: 382 ] فصل

تجار العسكر وأهل الحرف ، كالخياطين ، والسراجين ، والبزازين ، والبقالين ، وكل من خرج لغرض تجارة أو معاملة ، إذا شهدوا الوقعة ، ففي استحقاقهم السهم طرق . المذهب أنهم إن قاتلوا ، استحقوا ، وإلا فلا ، وهو ظاهر نصه في المختصر . وقيل : بالاستحقاق مطلقا ، وهو الأصح عند الروياني ، وبالمنع مطلقا . وإذا لم نسهم لهم ، فلهم الرضخ على الأصح .

فصل

إذا أفلت أسير من الكفار ، وشهد الوقعة مع المسلمين ، فإن كان من هذا الجيش ، استحق السهم ، قاتل ، أم لا ؟ وإن أسر من جيش آخر ، فهل يستحق لشهوده الوقعة أم لا لعدم قصده الجهاد ؟ قولان . ثم قيل بطرد القولين ، قاتل ، أم لا . والمذهب والمنصوص في ( ( المختصر ) ) أنهما إذا لم يقاتل ، فإن قاتل ، استحق قطعا . هذا إذا أفلت قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة . فإن أفلت بعد الحرب وقبل الحيازة ، فعلى ما سبق في لحوق المدد . وإن أفلت بعد الحيازة ، قال في ( ( الشامل ) ) : إن قلنا : تملك الغنيمة بالحيازة ، فلا سهم له ، وإلا ، فهو كما لو أفلت قبل الحيازة ولم يقاتل . وإذا لم يسهم له ، ففي الرضخ الخلاف السابق .

فصل

أسلم كافر ، والتحق بجيش الإسلام ، فشهد الوقعة ، يسهم له إن قاتل قطعا ، [ ص: 383 ] وكذا إن لم يقاتل على الصحيح ؛ لأنه قصد إعلاء كلمة الإسلام ، وشهد الوقعة . وفي ( ( الرقم ) ) للعبادي : أنه لا يستحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية