صفحة جزء
الفصل الرابع : في الخطبة - بكسر الخاء - ، قال الغزالي : هي مستحبة ، ويمكن أن يحتج له بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما جرى عليه الناس ، ولكن لا ذكر للاستحباب في كتب الأصحاب ، وإنما ذكروا الجواز . ثم المرأة إن كانت خلية عن النكاح والعدة ، جازت خطبتها تعريضا وتصريحا ، وإن كان معتدة ، حرم التصريح بخطبتها مطلقا . وأما التعريض ، فيحرم في عدة الرجعية ، ولا يحرم في عدة الوفاة . وقيل : إن كانت عدة الوفاة بالحمل ، لم تخطب ، خوفا من تكلف إلقاء ولدها . والصحيح الأول . والبائن بطلاق أو فسخ ، يحل التعريض بخطبتها على الأظهر . والتي لا تحل لمن منه العدة بلعان أو رضاع أو طلاق الثلاث ، كالمعتدة عن الوفاة . وقيل : كالفسخ . ثم سواء كانت العدة في هذه الصور بالإقراء أم بالأشهر . وقيل : إن كانت بالإقراء ، حرم قطعا . والصحيح وبه قطع الجمهور : أن لا فرق . [ ص: 31 ] وفي المعتدة عن وطء بشبهة ، طريقان . المذهب : القطع بالجواز .

والثاني : طرد الخلاف . والتصريح ، كقوله : أريد نكاحك ، أو إذا انقضت عدتك نكحتك . والتعريض بما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها ، كقوله : رب راغب فيك ، من يجد مثلك ؟ أنت جميلة ، إذا حللت فآذنيني ، لا تبقين أيما ، لست بمرغوب عنك ، إن شاء الله لسائق إليك خيرا ، ونحو ذلك ، وحكم جواب المرأة في هذه الصور تصريحا وتعريضا حكم الخطبة . وجميع ما ذكرناه ، فيما إذا خطبها غير صاحب العدة . فأما صاحبها الذي يحل له نكاحها ، فله التصريح بخطبتها .

فرع

تحرم الخطبة على خطبة غيره بعد صريح الإجابة ، إلا إذا أذن الغير أو ترك . وصريح الإجابة أن تقول : أجبتك إلى ذلك ، أو تأذن لوليها ( في ) أن يزوجها إياه ، وهي معتبرة الإذن . فلو لم تصرح بالإجابة ، لكن وجد ما يشعر بها ، كقولها : لا رغبة عنك ، فقولان . القديم ، تحريم الخطبة . والجديد ، الجواز . ولو ردته ، فللغير خطبتها قطعا . ولو لم يوجد إجابة ولا رد ، فقيل : يجوز قطعا . وقيل بالقولين . والمعتبر ، رد الولي وإجابته إن كانت مجبرة ، وإلا فردها وإجابتها ، وفي الأمة رد السيد وإجابته ، وفي المجنونة رد السلطان وإجابته . ثم المفهوم من إطلاق الأكثرين ، أن سكوت الولي عن الجواب ، فيه الخلاف المذكور ، وخص بعضهم الخلاف بسكوتها وقال : سكوت الولي لا يمنع قطعا . وعن الداركي أن الخلاف في سكوت البكر ، ولا يمنع سكوت الثيب بحال .

[ ص: 32 ] فرع

يجوز الهجوم على الخطبة لمن لم يدر أخطبت أم لا ، ولم يدر أجيب خاطبها أم رد ، لأن الأصل الإباحة .

فرع

سواء فيما ذكرناه الخاطب المسلم والذمي إذا كانت كتابية . وقيل : يختص المنع بالخطبة على خطبة المسلم .

قلت : قال الصيمري : لو خطب خمس نسوة دفعة فأذن ، لم يحل لأحد خطبة واحدة منهن حتى يتركها الأول ، أو يعقد على أربع فتحل الخامسة . وإن خطب كل واحدة وحدها ، فأذن ، حلت الخامسة دون غيرها . هذا كلامه ، والمختار تحريم الجميع ، إذ قد يرغب في الخامسة . قال أصحابنا : ويكره التعريض بالجماع للمخطوبة ، ولا يكره التعريض والتصريح به لزوجته وأمته . - والله أعلم - .

فرع

يجوز الصدق في ذكر مساوئ الخاطب ليحذر ، وكذا من أراد نصيحة غيره ليحترز عن مشاركته ونحوها ، وليس هذا من الغيبة المحرمة .

[ ص: 33 ] قلت : الغيبة تباح بستة أسباب قد أوضحتها بدلائلها وما يتعلق بها وطرق مخارجها في آخر ( كتاب الأذكار ) .

أحدها : التظلم ، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه ممن ظلمه ، فيقول : ظلمني فلان وفعل بي كذا .

الثاني : الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر : فلان يعمل كذا فازجره عنه ، ونحو ذلك .

الثالث : الاستفتاء . بأن يقول للمفتي : ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا ، فهل له ذلك ، أم لا ؟ وما طريقي في الخلاص ( منه ) ودفع ظلمه عني ؟ ونحو ذلك . وكذا قوله : زوجتي تفعل معي كذا ، وزوجي يضربني ويقول لي كذا ، فهذا جائز للحاجة . والأحوط أن يقول : ما تقول في رجل أو زوج أو والد من أمره كذا ، ومع ذلك فالتعيين جائز ، لحديث هند في الصحيحين : إن أبا سفيان شحيح . . . الحديث .

الرابع : تحذير المسلمين من الشر ، وذلك من وجوه . منها : جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين ، وذلك جائز بالإجماع ، بل واجب ، صونا للشريعة .

ومنها : الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته .

[ ص: 34 ] ومنها : إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا ، أو عبدا سارقا ، أو زانيا ، أو شاربا ، تذكره للمشتري - إذا لم يعلمه - نصيحة ، لا بقصد الإيذاء والإفساد .

ومنها : إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما ، وخفت عليه ضرره ، فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة . ومنها : أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو فسقه ، فتذكره لمن عليه ولاية ليستبدل به ، أو يعرف حاله فلا يعتبر به أو يلزمه الاستقامة .

الخامس : أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته ، كالخمر ، ومصادرة الناس ، وجباية المكوس ، وتولي الأمور الباطلة ، فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر .

السادس : التعريف ، فإذا كان معروفا بلقب ، كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير ونحوها ، جاز تعريفه به ، ويحرم ذكره به تنقصا ، ولو أمكن التعريف بغيره ، كان أولى . هذا مختصر ما تباح به الغيبة . - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية