صفحة جزء
الباب الثالث في أركان النكاح

وهي أربعة .

[ الركن ] الأول : الصيغة إيجابا وقبولا ، فيقول الولي : زوجتك ، أو أنكحتك ، ويقول الزوج : تزوجت ، أو نكحت ، أو قبلت تزويجها أو نكاحها . أو يقول الزوج أولا : تزوجتها ، أو نكحتها ، فيقول الولي : زوجتك أو أنكحتك ، ولا ينعقد بغير لفظ التزويج والإنكاح . وفي انعقاده بمعنى اللفظين بالعجمية من العاقدين أو أحدهما أوجه . أصحها : الانعقاد . والثالث : إن لم يحسن العربية انعقد ، وإلا ، فلا . وإذا صححناه ، فذاك إذا فهم كل منهما كلام الآخر . فإن لم يفهم ، فأخبره ثقة عن معنى لفظه ، ففي الصحة وجهان . ولا يشترط اتفاق اللفظين منهما .

[ ص: 37 ] فلو قال : زوجتك ، فقال الزوج : نكحت ، أو قال : أنكحتك ، فقال : تزوجت صح ، ولا ينعقد بالكناية .

فرع

إذا قال : زوجتكها ، فليقل : قبلت نكاحها أو تزويجها ، أو قبلت هذا النكاح ، فإن اقتصر على قبلت ، لم ينعقد على الأظهر . وقيل : قطعا . وقيل : ينعقد قطعا . وإن قال : قبلت النكاح أو قبلتها ، فخلاف مرتب ، وأولى بالصحة . ولو قال : زوجني أو أنكحني ، فقال الولي : قد فعلت ذلك ، أو نعم ، أو قال الولي : زوجتكها أو أنكحتكها ، أقبلت ؟ فقال : نعم ، أو قال : نعم ، من غير قول الولي : أقبلت ، فقيل بالمنع قطعا . وقيل بطرد الخلاف ، وهو أقيس . وفي نظائر هذه الصور من البيع ، ينعقد البيع . وكذا لو قال : بعتك كذا ، فقال : قبلت ، ينعقد على الصحيح ، وحكى الحناطي فيه وجها .

فرع

إذا كتب بالنكاح إلى غائب أو حاضر ، لم يصح . وقيل : يصح في الغائب وليس بشيء ، لأنه كناية ، ولا ينعقد بالكنايات .

ولو خاطب غائبا بلسانه ، فقال : زوجتك بنتي ، ثم كتب ، فبلغه الكتاب أو لم يبلغه ، وبلغه الخبر ، فقال : قبلت نكاحها ، لم يصح على الصحيح . وإذا صححنا في المسألتين ، فشرطه القبول في مجلس بلوغ الخبر ، وأن يقع بحضرة شاهدي الإيجاب .

[ ص: 38 ] قلت : لا يكفي القبول في المجلس ، بل يشترط الفور . - والله أعلم - .

فرع

إذا استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة ، لم يكف الكتاب ، بل يشترط اللفظ على المذهب ، وحكى الحناطي وجهين ، وليس للمكتوب إليه اعتماد الخط على الصحيح .

فرع

إذا قال ( للولي ) : زوجني ، قال الولي : زوجتك . فإن قال الزوج بعده : قبلت ، صح النكاح قطعا ، وإلا ، فالمذهب والنص صحته أيضا . وقيل بطرد الخلاف السابق في البيع في مثله . والخلع ، والصلح عن الدم ، والإعتاق على مال ، ينعقد بالاستيجاب والإيجاب على المذهب ، وبه قطع الجمهور . فإذا قالت : طلقني أو خالعني على ألف ، فأجابها الزوج ، طلقت ولزمها الألف ، ولا حاجة إلى قبول بعده . وكذا لو قال العبد لسيده : أعتقني على كذا ، فأجابه إليه ، أو قال : من عليه القصاص : صالحني على كذا ، فقال المستحق : صالحتك عليه . وقيل بطرد الطريقين في كل هذه العقود كالنكاح . وأما الكتابة فكالعتق ، وقيل : كالنكاح . هذا كله إذا كانت صيغته : زوجني أو خالعني وأعتقني ونحوها . فلو قال الزوج : قل : زوجتكها ، قال الشيخ أبو محمد : ليس هو باستيجاب ، لأنه استدعى اللفظ دون التزويج ، فإذا تلفظ اقتضى القبول . ولو قال الولي أولا : [ ص: 39 ] تزوج ابنتي ، فقال : تزوجت ، فهو كما لو قال الزوج : زوجني ، فقال الولي : زوجتك ، هكذا قالوه . وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع ، ويمكن أن يقال بمثله هنا . ولو قال : أتزوجني ابنتك ؟ فقال الولي : زوجتك ، هكذا قالوه . وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع ، ويمكن أن يقال بمثله هنا . ولو قال : أتزوجني ابنتك ؟ فقال الولي : زوجتك ، لم ينعقد إلا أن يقول الخاطب بعده : تزوجت ، وكذا لو قال الولي : أتتزوج بنتي ، أو تزوجتها ؟ فقال : تزوجت ، لا ينعقد ، إلا أن يقول الولي بعده : زوجتك ، لأنه استفهام . ولو قال المتوسط للولي : زوجته ابنتك ؟ فقال : زوجت ، ثم أقبل على الزوج فقال : قبلت نكاحها ؟ فقال : قبلته ، صح على الأصح ، لوجود الإيجاب والقبول مترابطين ، ومنعه القفال ، لعدم التخاطب .

فرع

تشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول على ما سبق في البيع . ونقل القاضي أبو سعد الهروي : أن أصحابنا العراقيين اكتفوا بوقوع القبول في مجلس الإيجاب .

قلت : الصحيح اشتراط القبول على الفور ، فلا يضر الفصل اليسير ، ويضر الطويل ، وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول ، فهذا هو المعروف في طريقتي العراق وخراسان . وما ادعاه الهروي عن العراقيين جملة لا يقبل ، والمشاهدة تدفعه ، والدليل يبطله ، فلا اغترار به . - والله أعلم - .

فرع

إذا وجد أحد شقي العقد من أحد العاقدين ، فلا بد من إصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر ، فلو رجع عنه ، لغا العقد . وكذا لو أوجب ثم جن [ ص: 40 ] أو أغمي عليه ، لغا إيجابه ، وامتنع القبول . وكذا لو أذنت المرأة في تزويجها حيث يعتبر إذنها ، ثم أغمي عليها قبل العقد ، بطل إذنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية