صفحة جزء
الطرف السادس : فيما يلزم الولي . فإن كان مجبرا ، فقد ذكرنا أن عليه الإجابة إلى التزويج إذا طلبت . ويلزمه تزويج المجنونة والمجنون عند الحاجة بظهور أمارات التوقان ، أو بتوقع الشفاء عند إشارة الأطباء ، ولا يلزمه تزويج ولديه الصغير والصغيرة لعدم الحاجة . فلو ظهرت الغبطة في تزويجهما ، ففي الوجوب احتمال للإمام ، كما إذا طلب ماله بزيادة ، يجب البيع . والوجوب في الصغير أبعد ، للزوم المؤن . أما غير المجبر ، فإن تعين ، كأخ واحد ، لزمه الإجابة إذا طلبت كالمجبر ، ويجيء فيه الخلاف المذكور هناك . وإن لم يتعين كإخوة ، فطلبت من بعضهم ، وجبت على الأصح . ولو عضل الواحد أو الجمع ، زوج السلطان كما سبق .

فصل

إذا قبل الأب للصغير أو المجنون نكاحا بصداق من مال الابن ، فإن كان عينا ، فذاك ، ولا تعلق له بالأب . وإن كان دينا ، فقولان . القديم : أن الأب يكون ضامنا [ ص: 78 ] للمهر بالعقد . والجديد : لا يكون ضامنا ، إلا أن يضمن صريحا ، كما لو اشترى لطفله شيئا . فإن كان الثمن عليه ، لا على الأب ، قال ابن كج : القولان فيما إذا أطلق . فإن شرطه على الابن ، فعلى الابن قطعا .

ثم قال العراقيون وعامة الأصحاب : القولان إذا لم يكن للابن مال . فإن كان ، فالأب غير ضامن قطعا . وقيل بطرد القولين . فإن قلنا بالجديد ، فتبرع بالأداء ، لم يرجع ، وكذا الأجنبي . وإن ضمن صريحا ، وغرم ، فقصد الرجوع هنا بمنزلة إذن المضمون عنه . فإن ضمن بقصد الرجوع ، وغرم بقصد الرجوع ، رجع ، وإلا ، فعلى الخلاف المذكور في الضمان بغير الإذن . وإن ضمن بشرط براءة الأصيل ، قال القاضي حسين : إن لم نصحح الضمان بشرط براءة الأصيل ، فهذا ضمان فاسد شرط في الصداق . وقد سبق ذكر قولين في أن شرط الضمان الفاسد أو الرهن الفاسد في عقد هل يفسد العقد ؟ وإن صححنا الضمان بشرط براءة الأصيل ، فالشرط هنا فاسد ، لأنه لا دين في ذمة المعقود له . وإذا فسد الشرط ، ففي فساد الضمان وجهان سبقا في " الضمان " . فإن قلنا بالقديم ، فغرم ، قال القاضي حسين والشيخ أبو علي : لا يرجع على الابن ، لأنه غرم بالشرع ، كما لا ترجع العاقلة على الجاني . واعترض الإمام فقال : المطالبة متوجهة على الابن ، بخلاف الجاني . فعلى هذا ، يرجع إن قصد الرجوع عند الأداء ، وبهذا قطع البغوي . ولو شرط الأب أن لا يكون ضامنا ، فعن القاضي : أنه يبطل العقد على القديم . قال الإمام : وهذا وهم من الناقلين عنه ، فإن النكاح لا يفسد بمثل ذلك ، ولعله قال : يبطل الشرط ويلزم الضمان .

[ ص: 79 ] فصل

يجب على الولي حفظ مال الصبي وصونه عن أسباب التلف ، وعليه استنماء قدر ما لا تأكل النفقة والمؤن المال إن أمكن ذلك ، ولا تلزمه المبالغة في الاستنماء وطلب النهاية . وإذا طلب متاعه بأكثر من ثمنه ، لزمه بيعه . ولو كان شيء يباع بأقل من ثمنه ، وللطفل مال ، لزمه شراؤه إذا لم يرغب فيه لنفسه ، هكذا أطلقه الإمام والغزالي في الطرفين ، ويجب أن يتقيد ذلك بشرط الغبطة ، بل بالأموال المعدة للتجارة . أما ما يحتاج إلى عينه ، فلا سبيل إلى بيعه وإن ظهر طالب بالزيادة . وكذا العقار الذي يحصل منه كفايته . وكذا في طرف الشراء قد يؤخذ الشيء رخيصا ، لكنه عرضة للتلف ، ولا يتيسر بيعه لقلة الراغبين فيه ، فيصير كلا على مالكه .

قلت : هذا الذي قاله الرافعي ، هو الصواب ، ولا يغتر بما خالفه . - والله أعلم - .

فرع

إذا تضجر الأب بحفظ مال الطفل والتصرف فيه ، رفع الأمر إلى القاضي لينصب قيما بأجرة ، وله أن ينصب بنفسه ، ذكره الإمام . ولو طلب من القاضي أن يثبت له أجرة على عمله ، فالذي يوافق كلام الجمهور : أنه لا يجيبه إليه غنيا كان أو فقيرا ، إلا أنه إذا كان فقيرا ينقطع عن كسبه ، فله أن يأكل منه بالمعروف كما سبق في " الحجر " ، وذكر الإمام أن هذا هو الظاهر . قال : ويجوز أن يقال : يثبت له أجرة ، لأن له أن يستأجر ، فجاز له طلبها لنفسه ، وبهذا الاحتمال قطع الغزالي . وعلى هذا ، لا بد من تقدير القاضي ، وليس له الاستقلال به ، وهذا إذا لم يكن هناك متبرع بالحفظ والعمل . فإن وجد متبرع ، وطلب الأب الأجرة ، [ ص: 80 ] فقد أشار الإمام إلى وجهين أيضا . الصحيح : أنه لا يثبتها له ، للاستغناء عنه . والثاني : يثبتها ، لزيادة شفقته ، كما تقدم الأم في الرضاع على قول على المتبرعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية