صفحة جزء
النوع الثالث : استيفاء عدد الطلاق . فإذا طلق الحر زوجته ثلاثا في نكاح أو أنكحة دفعة أو أكثر قبل الدخول أو بعده ، لم يحل له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ويفارقها وتنقضي عدتها منه ، وإذا طلق العبد طلقتين ، فكطلاق الحر ثلاثا . ولو عتق بعد ذلك ، لم يؤثر ، ويشترط أن يكون الوطء في نكاح صحيح . وفي قول : يكفي الوطء في نكاح فاسد . ومنهم من أنكره ، ومنهم من طرده في وطء الشبهة ، والمذهب الأول . ويشترط تغييب جميع الحشفة في الفرج ، وبه تتعلق أحكام الوطء كلها . وقال البغوي : إن كانت بكرا ، فأقله الاقتضاض بآلته . ومن قطعت حشفته ، إن بقي من ذكره دون قدرها ، لم يحل . وإن بقي قدرها فقط ، أحل . وإن بقي أكثر من قدرها ، كفى تغييب قدر حشفة هذا الشخص على الأصح . وقيل : يشترط تغييب جميع الباقي ، سواء كان قوي الانتشار ، أو ضعيفه فاستعان بأصبعه أو أصبعها ، فإن لم يكن انتشار أصلا ، لتعنين أو شلل [ ص: 125 ] أو غيرهما ، لم يحصل التحليل على الصحيح ، وبه قطع جمهور الأصحاب في كتبهم ، لعدم ذوق العسيلة ، وحصله الشيخ أبو محمد والغزالي ، لحصول الوطء وأحكامه . واستدخال ذكر النائم وغيره يحلل ، واستدخال الماء لا يحلل .

قلت : ولو لف على ذكره خرقة وأولج ، حلل على الصحيح . - والله أعلم - .

فرع

يحصل التحليل بكل زوج ، حر مسلم ، وعبد ، ومجنون ، وخصي ، وذمي إذا كانت المطلقة ذمية ، سواء كان المطلق مسلما أو ذميا ، ويشترط وطء الذمي في وقت لو ترافعوا إلينا لقررناهم على ذلك النكاح .

قلت : لا يشترط في تحليل الذمية للمسلم وطء ذمي ، بل المجوسي والوثني يحللانها أيضا للمسلم ، كما يحصنانها ، صرح به إبراهيم المروذي . - والله أعلم - .

والصبي الذي يتأتى منه الجماع ، كالبالغ على المشهور . والطفل الذي لا يتأتى منه ، لا يحلل على الصحيح ، وعن القفال ، أنه يحلل .

قلت : هذا الوجه كالغلط المنابذ لقواعد الباب . ونقل الإمام اتفاق الأصحاب أنه لا يحلل . - والله أعلم - .

فرع

إذا كانت المطلقة ثلاثا صغيرة ، ووطئها زوج ، حلت قطعا . وقيل في التي لا تشتهى الوجهان كتحليل الصبي .

[ ص: 126 ] فرع

لو وطئها في إحرامه أو إحرامها ، أو الحيض ، أو صوم رمضان ، أو قبل التكفير عن ظهارها ، أو ظانا أنها أجنبية ، حلت ، لأنه وطء زوج في نكاح صحيح . ولو وطئها وهي في عدة وطء شبهة وقع بعد نكاحه ، حلت على الأصح . ولو وطئها في حال ردته أو ردتها ، وعاد إلى الإسلام ، لم تحل ، نص عليه ، لاضطراب النكاح ، بخلاف سائر أسباب التحريم . واعترض المزني بأنه إن دخل بها قبل الردة ، فقد حلت ، وإلا ، فتبين بنفس الردة . قال الأصحاب : تتصور العدة بلا دخول ، بأن يطأها في الدبر أو فيما دون الفرج فسبق الماء ، أم تستدخل ماءه ، فتجب العدة ، ولا تحل بهذه الأسباب ، وكذا بالخلوة على القديم .

قلت : هذا الذي ذكره عن النص أنها لا تحل بالوطء في الردة ، هو الصواب ، وبه قطع جماهير الأصحاب . وقال صاحب " التلخيص " : إن اجتمعا في الإسلام قبل انقضاء العدة ، حلت للأول ، وتابعه عليه القفال ، وليس بشيء . ولو طلقها رجعيا ، باستدخال الماء قبل الدخول ، ثم وطئها في العدة ( لم تحل للأول وإن راجعها في العدة ) ، نص عليه الشافعي والأصحاب ، وقال إبراهيم المروذي : إذا قلنا : تحل بوطء الشبهة ، فهنا أولى ، وإلا ، فلا تحل . - والله أعلم - .

فرع

نكحها على أنه إذا وطئها بانت منه ، أو نكحها إلى أن يطأها ، أو على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما ، فنكاح باطل ، فإن شرط أنه إذا وطئها طلقها ، فباطل [ ص: 127 ] أيضا على الأظهر . وفي قول : يصح العقد ، ويبطل الشرط ، ويجب مهر المثل . ولو تزوج بلا شرط ، وفي عزمه أن يطلقها إذا وطئها ، كره ، وصح العقد ، وحلت بوطئه . ولو نكحها على أن لا يطأها إلا مرة ، أو على أن لا يطأها نهارا ، فللشافعي - رحمه الله - في بطلان النكاح أو صحته دون الشرط نصان . وقيل : قولان . والمذهب أنهما على حالين . فالبطلان إذا شرطت الزوجة أن لا يطأها ، والصحة إذا شرط الزوج أن لا يطأ ، لأنه حقه ، فله تركه والتمكين عليها . ولو نكحها بشرط أن لا تحل له ، فقال الإمام : يجب أن تلحق بشرط ترك الوطء . وقال الغزالي : ينبغي أن يفسد ، للتناقض .

قلت : قول الغزالي أصح . - والله أعلم - .

وفي " فتاوى " القفال : أنه لو تزوج أمة على أن لا يملك الاستمتاع ببضعها ، فكشرط أن لا يطأ . وإن تزوجها بشرط أن لا يملك بضعها ، فإن أراد الاستمتاع ، فكذلك . وإن أراد ملك العين ، لم يضر . وجميع ما ذكرناه إذا شرطه في نفس العقد ، ولو تواطآ في شيء من ذلك قبل العقد ، وعقدا على ذلك القصد بلا شرط ، فليس كالمشروط على الصحيح .

فرع

قال الأئمة : أسلم طريق في الباب ، وأدفعه للعار ، أن تزوج بعبد صغير ، وتستدخل حشفته ، ثم تتملكه ببيع أو هبة ونحوهما ، فينفسخ النكاح ، ويحصل التحليل إن صححنا تحليل الصبي وجوزنا إجبار العبد الصغير على النكاح ، وإلا ، فلا .

[ ص: 128 ] فرع

إذا قالت المطلقة ثلاثا : نكحت زوجا آخر ، فوطئني وفارقني ، وانقضت عدتي منه ، قبل قولها عند الاحتمال . وإن أنكر الزوج الثاني ، وصدق في أنه لا يلزمه إلا نصف المهر ، فكذلك ، لأنها مؤتمنة في انقضاء العدة ، والوطء يعسر إقامة البينة عليه . ثم إن ظن صدقها ، فله نكاحها بلا كراهة . وإن لم يظنه ، استحب أن لا يتزوجها . وإن قال : هي كاذبة ، لم يكن له نكاحها . فإن قال بعده : تبينت صدقها ، فله نكاحها .

قلت : قد جزم الفوراني بأنه إذا غلب على ظنه كذبها ، لم تحل له . وتابعه الغزالي على هذا ، وهو غلط عند الأصحاب ، وقد نقل الإمام اتفاق الأصحاب على أنها تحل وإن غلب على ظنه كذبها إذا كان الصدق ممكنا . قال : وهذا الذي قاله الفوراني غلط ، وهو من عثرات الكتاب ، ولعل الرافعي لم يحك هذا الوجه ، لشدة ضعفه ، ولقول الإمام : إنه غلط . قال إبراهيم المروذي : ولو كذبها الزوج والولي والشهود ، لم تحل على الأصح . - والله أعلم - .

فرع

طلق زوجته الأمة ، ثم اشتراها قبل وطء زوج ، لا يحل له وطؤها بملك اليمين على الصحيح ، لظاهر القران .

قلت : قال العلماء : الحكمة في اشتراط التحليل ، التنفير من الطلاق الثلاث . - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية