صفحة جزء
فصل

إذا ترافع إلينا ذميان في نكاح أو غيره ، إن كانا متفقي الملة ، وجب الحكم بينهما على الأظهر عند الأكثرين ، لقول الله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) [ المائدة : 49 ] ولأنه يجب الذب عنهم كالمسلمين . والثاني : لا يجب ، لكن لا نتركهم على النزاع ، بل نحكم أو نردهم إلى حاكم ملتهم ، ورجحه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ . وقيل : يجب الحكم بينهم في حقوق الله تعالى ، والقولان في غيرها لئلا تضيع ، وقيل : عكسه ، والأصح طردهما في الجميع . وإن كانا مختلفي الملة ، كيهودي ونصراني ، وجب الحكم على المذهب ، لأن كلا لا يرضى بملة صاحبه . وقيل بالقولين . ولو ترافع معاهدان ، لم يجب الحكم قطعا ، وإن اختلف ملتهما ، لأنهم لم يلتزموا حكمنا ، ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض . وقيل : هما كالذميين . وقيل : إن اختلف ملتهما ، وجب ، والمذهب الأول . ولو ترافع ذمي ومعاهد ، فكالذميين . وقيل : يجب قطعا . وإن ترافع مسلم وذمي أو معاهد ، وجب قطعا .

فرع

قال الأصحاب على اختلاف طبقاتهم : إن قلنا : وجب الحكم بين الكافرين ، [ ص: 155 ] فاستعدى خصم على خصم ، وجب إعداؤه وإحضار خصمه ليحكم بينهما ، ولزم المستعدى عليه الحضور . وإن قلنا : لا يجب الحكم ، لم يجب الإعداء ، ولا يلزمه الحضور ، ولا يحضر قهرا . قال البغوي وغيره : ولو أقر ذمي بالزنا ، أو سرقة مال مسلم أو ذمي ، حد قهرا إن أوجبنا الحكم بينهم ، وإلا ، فلا يحد إلا برضاه ، فاعتبر الأصحاب الرضى على قول عدم الوجوب ، ولم يعتبروه على قول الوجوب . وأما قول الغزالي : لا يجب الحكم إلا إذا رضيا جميعا ، فمردود مخالف لما عليه الأصحاب .

فرع

سواء أوجبنا الحكم بينهم ، أم لا ، إنما نحكم بحكم الإسلام . وإذا تحاكموا في أنكحتهم ، فنقر ما نقره لو أسلموا ، ونبطل ما لا نقره لو أسلموا .

فإذا نكح بلا ولي وشهود ، أو ثيبا بلا إذنها أو معتدة منقضية العدة عند الترافع وترافعا ، حكمنا بالتقرير والنفقة . فلو كانت بعد في العدة ، أبطلناه ولم نوجب نفقة . ولو نكح مجوسي محرما ، وترافعا في النفقة ، أبطلناه ولا نفقة . ولو طلبت مجوسية النفقة من الزوج المجوسي أو اليهودي ، فوجهان ، وكذا في تقريرهما على النكاح . أصحهما : التقرير والحكم بالنفقة ، كما لو أسلما والتزما الأحكام . ووجه المنع ، أنه لا يجوز نكاحها في الإسلام . ولو جاء كافر تحته أختان ، وطلبوا فرض النفقة ، قال الإمام : فيه تردد ، لأنا نحكم بصحة نكاحهما ، وإنما تندفع إحداهما بالإسلام . قال : والذي أدى القطع به المنع ، لقيام المانع ، وحيث لا نقرر في هذه الصور ، فهل يعرض القاضي المرفوع إليه عنهما ، أم يفرق بين الزوجين ؟ فيه وجهان . أصحهما عند الإمام : الإعراض ، وإنما يفرق إذا رضوا بحكمنا . ووجه التفريق ، أنهم بالترافع أظهروا ما يخالف الإسلام ، كما لو أظهروا الخمر .

[ ص: 156 ] فرع

إذا التمسوا من حاكم المسلمين ابتداء نكاح ، أجاب إن كانت المرأة كتابية ولم يكن لها ولي كافر ، ولا يزوج إلا بشهود مسلمين .

فرع

قال المتولي : لو لم يترافع إلينا المجوس ، لكن علمنا فيهم من نكح محرما ، فالمشهور أنه لا يتعرض لهم . وحكى الزبيري قولا ، أن الإمام إذا عرف ذلك ، فرق بينهما كما لو عرف أن المجوسي نكح مسلمة أو مرتدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية