صفحة جزء
الطرف الثاني : فيما إذا أسلم وتحته عدد من النسوة ، لا يجمع بينهن في الإسلام ، وفيه صور .

الصورة الأولى : أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ، وأسلمن معه أو تخلفن وهن كتابيات ، اختار أربعا منهن ، واندفع في نكاح الباقيات . وإن كن مجوسيات أو وثنيات وهن مدخول بهن ، فتخلفن ثم أسلمن قبل انقضاء العدة من وقت إسلام الزوج ، فكذلك الحكم ، وسواء في هذا كله نكحهن معا أو مرتبا . وإذا نكحهن مرتبا ، فله إمساك الأخريات ومفارقة الأوليات . وإذا أسلم على أكثر من أربع وهن غير مدخول بهن ، وأسلمن معه أربع ، تقرر نكاحهن ، وارتفع نكاح الباقيات . ولو كان دخل بهن ، فاجتمع إسلامه وإسلام أربع فقط في العدة ، تعين للنكاح ، حتى لو أسلم أربع من ثمان وانقضت عدتهن ، أو متن في الإسلام ثم أسلم الزوج وأسلمت الباقيات في عدتهن ، تعينت الأخريات . ولو أسلم أربع ، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن ، وتخلفت الباقيات حتى انقضت عدتهن من وقت إسلام الزوج ، [ ص: 157 ] أو متن على الشرك ، تعينت الأوليات . ولو أسلم أربع ، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن ، ثم أسلم الباقيات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج ، اختار أربعا من الأوليات والأخريات كيف شاء . فإن ماتت الأوليات أو بعضهن ، جاز له اختيار الميتات ، ويرث منهم .

فرع

قبل كافر لابنه الصغير نكاح أكثر من أربع نسوة ، ثم أسلم وأسلمن ، اندفع نكاح الزيادة على أربع ، لكن لا يختار الصبي ولا الولي ، لأنه خيار شهوة ، فيوقف حتى يبلغ ، ونفقتهن في مال الصبي لحبسهن عليه ، وكذا لو أسلم رجل وجن قبل الاختيار .

الصورة الثانية : أسلم وتحته أم وبنتها ، نكحهما معا أو مرتبا وأسلمتا ، أو لم تسلما وهما كتابيتان ، فإن كان دخل بهما ، حرمتا أبدا . ولكل واحدة مسماها إن جرت تسمية صحيحة ، وإلا ، فمهر المثل . وإن لم يدخل بواحدة منهما ، فهل تتعين البنت للنكاح ويندفع نكاح الأم ، أم يتخير إحداهما ؟ قولان .

أظهرهما عند الأكثرين : الأول ، وهما مبنيان عند الجمهور على صحة أنكحتهم . إن صححناها ، تعينت البنت ، وحرمت الأم أبدا ، وإلا ، تخير . فإن اختار البنت ، حرمت الأم أبدا . وإن اختار الأم ، اندفعت البنت ، لكن لا تحرم مؤبدا إلا بالدخول بأمها . وأما المهر ، فقال ابن الحداد : إن خيرناه ، فللمفارقة نصف المهر ، لأنه دفع نكاحها بإمساك الأخرى . وإن قلنا : تتعين البنت ، فلا مهر للأم ، لاندفاع نكاحها بغير اختياره . وقال القفال وغيره : الحكم بالعكس ، إن خيرناه ، فلا مهر للمفارقة ، لأن التخيير يبنى على فساد نكاحهم ، فالمفارقة كأنه لم ينكحها ، حتى جوز الأصحاب [ ص: 158 ] لابنه وأبيه نكاحها تفريعا على هذا القول . وإذا لم يكن نكاح ، فلا مهر . وإن عينا البنت ، فللأم نصف المهر ، لصحة نكاحها واندفاعه بالإسلام . ومال الإمام إلى أنه لا مهر على هذا القول أيضا ، لأنه صح نكاح البنت ، فتصير الأم محرما ، وإيجاب المهر للمحرم بعيد ، وقد سبق نظير هذا . وإن دخل بالبنت فقط ، ثبت نكاحها ، وحرمت الأم أبدا ، ولا مهر لها عند ابن الحداد ، ولها نصفه عند القفال إن صححنا أنكحتهم . وإن دخل بالأم فقط ، حرمت البنت أبدا . وهل له إمساك الأم ؟ يبنى على القولين إذا لم يدخل بواحدة . إن خيرناه ، أمسكها ، وإلا ، فلا ، ولها مهر المثل بالدخول .

( الصورة ) الثالثة : سبق أنه لو أسلم وتحته أمة ، وأسلمت معه ، فله إمساكها إن كان يحل له نكاح الأمة ، وإلا ، فلا . فلو تخلفت ، نظر ، إن كان قبل الدخول ، تنجزت الفرقة كتابية كانت أو غيرها ، لأن المسلم لا ينكح الأمة الكتابية . وإن كان بعد الدخول ، وجمعت العدة إسلامهما ، فهو كما لو أسلمت معه . وإن كانت كتابية ، وعتقت في العدة ، فله إمساكها . وإن لم تسلم ، ولا عتقت ، أو كانت وثنية ولم تسلم إلى انقضاء العدة ، تبينا اندفاع النكاح من وقت إسلامه . وإن كان تحته إماء ، فأسلم وأسلمن معه ، اختار واحدة منهن إن كان ممن تحل له الأمة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن ، وإلا ، فيندفع نكاحهن ، سواء سبق إسلامه أو سبقنه . ولو أسلم وتحته ثلاث ، فأسلمت معه واحدة وهو معسر خائف من العنت ، ثم أسلمت الثانية في عدتها وهو موسر ، ثم أسلمت الثالثة وهو معسر خائف من العنت ، فإن قلنا بالأصح : إن اليسار إنما يؤثر في اندفاع النكاح إذا اقترن بإسلامهما ، اندفع نكاح الثانية ، لفقد الشرط عند اجتماع إسلامه وإسلامها ، ويخير بين الأولى والثالثة . وإن قلنا : يؤثر عند إسلامه فقط ، لم تندفع الثانية ، بل تدخل في التخيير .

[ ص: 159 ] فرع

أسلم وتحته إماء ، وأسلمت معه إحداهن ، فله أن يختارها ، وله أن ينتظر الباقيات . فإن أصررن على الشرك ، تبينا أنهن بن وقت إسلامه ، وأن عدتهن انقضت . وإن أسلمن في العدة ، نظر ، إن كان اختار المسلمة أولا ، كانت بينونتهن باختياره إياها . وإن لم يكن اختارها ، اختار إحداهن ، واندفع الباقيات . وإن طلق المسلمة أولا ، كان الطلاق متضمنا اختيارها . ثم إن أصر الباقيات حتى انقضت عدتهن ، بان أنهن بن باختلاف الدين . وإن أسلمن في العدة ، بان أنهن بن من وقت الطلاق فإنه وقت الاختيار . وإن فسخ نكاح المسلمة أولا ، لم ينفذ ، لأنه إنما يفسخ الزائد ، وليس في الحال زيادة ، ثم إن أصررن ، اندفعن باختلاف الدين ، ولزم نكاح الأولى . وإن أسلمن في العدة ، اختار من شاء من الجميع . وقيل : لا يجوز اختيار الأولى ، بل نتبين نفوذ فسخه فيها ، والصحيح الأول .

الرابعة : أسلم وفي نكاحه حرة وأربع إماء مثلا ، وأسلمن ، نظر ، إن أسلمت الحرة معه ، أو كانت مدخولا بها وأسلمت قبل انقضاء عدتها ، تعينت ، واندفع الإماء ، سواء أسلمن قبله وقبل الحرة أو بعدهما في العدة أو بينهما . وإذا تأخر إسلامهن ، فإن أسلمن في العدة ، بن من وقت اجتماع إسلام الزوج والحرة ، وعدتهن من ذلك الوقت . وإن لم يسلمن حتى انقضت العدة ، فبينونتهن باختلاف الدين . وإن لم يجتمع إسلام الحرة وإسلامه في العدة ، بأن أسلم الزوج ، وأصرت هي إلى انقضاء العدة ، أو ماتت في العدة ، أو أسلمن أولا وتخلف الزوج حتى انقضت عدتها أو ماتت ، فالحكم كما لو لم يكن تحته حرة ، فيختار واحدة من الإماء على التفصيل السابق ، [ ص: 160 ] وفي مدة تخلف الحرة المدخول بها ، لا يختار واحدة من الإماء ، سواء أسلمن معه أو بعده في العدة حتى يئس منها بالموت أو انقضاء العدة . فإن اختار واحدة قبل اليأس ، ثم ماتت الحرة ، أو انقضت عدتها وهي مصرة ، فالمذهب أنه يجب اختيار جديد ، ولا يتبين صحة ذلك الاختيار . هذا كله إذا لم يطرأ عتق الإماء ، فإن طرأ قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن بأن عتقن ثم أسلم وأسلمن ، أو أسلمن ثم عتقن ثم أسلم ، أو أسلم وعتقن ثم أسلمن ، التحقن بالحرائر الأصليات ، حتى لو أسلمت الحرة ثم أسلمت الإماء المتخلفات بعد عتقهن ، فهو كما لو أسلم على حرائر ، فيختار من الجميع أربعا كيف شاء . وحكى ابن القطان وجها فيما إذا أسلم وتحته حرائر وإماء ، فعتق الإماء ثم أسلمن ، أنه لا يجوز إلا اختيار الحرائر الأصليات ، وهذا ضعيف .

ولو تخلفت الحرة ، واجتمع إسلامه وإسلامهن وهن عتيقات ، فله أن يختارهن . ثم إن أسلمت الحرة المتخلفة في العدة ، بانت باختياره الأربع . وإن لم تسلم ، بانت باختلاف الدين .

وإن أخر الاختيار انتظارا لإسلام الحرة الأصلية المتخلفة ، فقال الشيخ أبو حامد : هو جائز . قال ابن الصباغ : عندي أنه لا معنى لتأخير اختيار الجميع ، لأنه يلزمه نكاح ثلاث منهن لا محالة ، فيختار ثلاثا . ثم إن أسلمت المتخلفة في العدة ، اختارها أو الرابعة من العتيقات . وإن لم تسلم ، لزمه نكاح الرابعة من العتيقات . ولو أسلم وليس في نكاحه إلا إماء ، وتخلفن وعتقن ثم أسلمن في العدة ، اختار منهن أربعا كالحرائر الأصليات . ولو أسلمن معه إلا واحدة ، ثم أسلمت المتخلفة في العدة بعدما عتقت ، تعينت للنكاح كالحرة الأصلية . ولو كان تحته أربع إماء ، فأسلم معه ثنتان ، وتخلف ثنتان ، فعتقت واحدة من المتقدمتين وأسلمت المتخلفتان على الرق ، اندفعتا [ ص: 161 ] ، لأن تحت زوجهما عتيقة ، ولا تندفع الرقيقة المتقدمة ، لأن عتق صاحبتها كان بعد اجتماع إسلامها وإسلام الزوج ، فلا يؤثر في حقها ، فيختار واحدة من المتقدمتين . ولو كان تحته إماء ، فأسلم الزوج مع واحدة ، ثم عتقت ، ثم عتق الباقيات ، ثم أسلمن ، اختار أربعا منهن ، لالتحاقهن بالأصليات ، وليس له اختيار الأولى ، لأنها كانت رقيقة عند اجتماع الإسلامين . ولو كان تحته أربع إماء ، فأسلم معه اثنتان ، ثم عتقتا وعتقت المتخلفتان ، ثم أسلمتا ، تعين إمساك الأخريين ، واندفعت المتقدمتان . ولو أسلم الزوج وتخلفن ، ثم عتقت اثنتان ، ثم أسلمتا وأسلمت الأخريان ، ثم عتقتا ، تعين إمساك الأوليين ، واندفعت المتأخرتان . والنظر في جميع ذلك إلى حالة اجتماع الإسلامين ، لأنه حالة إمكان الاختيار .

التالي السابق


الخدمات العلمية