صفحة جزء
فصل

في أحكام هذا الخيار

فيه مسائل .

إحداها : هذا الخيار على الفور كخيار العيب في البيع ، هذا هو المذهب . وبه قطع الجمهور . وقيل : قولان آخران كخيار العتق . أحدهما : يمتد ثلاثة أيام . والثاني : يبقى إلى أن يوجد صريح الرضى بالمقام معه أو ما يدل عليه ، حكاهما الشيخ أبو علي وهما ضعيفان . وهل ينفرد كل واحد من الزوجين بالفسخ ، أم لا بد من الرفع إلى الحاكم ؟ أما التعنين ، فلا بد من الرفع ، وفيما سواه وجهان . أصحهما : لا بد من الرفع ; لأنه مجتهد فيه . قال البغوي : وعلى الوجهين لو أخر إلى أن يأتي إلى الحاكم ويفسخ بحضرته ، جاز . ولو وطئها وظهر بها عيب ، فقالت : وطئت عالما ، فأنكر ، أو كان العيب به ، فقال : كنت عالمة فأنكرت ، فالقول قول المنكر على الصحيح . وقال ابن القطان : قول الآخر ; لأن الأصل دوام النكاح .

الثانية : الفسخ بعيب مقارن للعقد ، إن كان قبل الدخول ، سقط كل المهر ولا متعة ، سواء كان العيب فيه أو فيها ; لأن شأن الفسخ تراد العوضين . وإن كان بعد الدخول ، فثلاثة أوجه ، الصحيح المنصوص ، أنه يسقط المسمى ويجب مهر [ ص: 181 ] المثل ، والثاني : يجب المسمى ، والثالث : إن فسخ بعيبها ، فمهر المثل ، وإن فسخت بعيبه ، فالمسمى . وأما الفسخ بعيب حادث بعد العقد ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر ، وإن كان بعده ، فإن أوجبنا في المقارن المسمى ، فهنا أولى ، وإلا ، فأوجه . أحدها : المسمى ، والثاني : مهر المثل ، وأصحها : إن حدث قبل الدخول ، ثم دخل بها غير عالم بالحال ، فمهر المثل كالمقارن ، وإن حدث بعد الدخول ، فالمسمى ; لأنه تقرر بالوطء قبل الخلل .

فرع

إذا اطلع أحد الزوجين على عيب الآخر ، ومات الآخر قبل الفسخ ، فهل يفسخ بعد الموت ؟ وجهان حكاهما الحناطي ، أصحهما : يفسخ ويتقرر المسمى بالموت . ولو طلقها قبل الدخول ثم علم عيبها ، لم يسقط حقها من النصف ; لأن الفرقة حصلت بالطلاق .

الثالثة : إذا فسخ بعيبها بعد الدخول وغرم المهر ، فهل يرجع به على من غره ؟ قولان . الجديد : الأظهر ، لا . وموضع القولين إذا كان العيب مقارنا للعقد ، وأما إذا فسخ بعيب حادث ، فلا رجوع بالمهر مطلقا ، إذ لا غرور . وقال المتولي : القولان إذا كان المغروم هو مهر المثل ، أما إذا كان المسمى ، فلا رجوع ، والأصح ما ذكره البغوي وهو أنه لا فرق بين المسمى ومهر المثل ، ثم إذا قلنا بالرجوع ، فإن كان التغرير والتدليس منها دون الولي ، فالرجوع عليها دونه . وصور المتولي التغرير منها ، بأن خطب الزوج إليها ، فلم يتعرض لعيبها ، وطلبت من الولي تزويجها به وأظهرت له أن الزوج عرف حالها .

وصوره الشيخ أبو الفرج الزاز ، فيما إذا عقدت بنفسها ، وحكم بصحته حاكم . ثم لفظ الرجوع الذي استعمله الأصحاب يشعر [ ص: 182 ] بالدفع إليها ، ثم الاسترداد منها . لكن ذكر الشيخ أبو حامد والإمام ، أنه لا معنى للدفع إليها والاسترداد ، ويعود معنى الرجوع إلى أنه لا يغرم لها . وهل يجب لها أقل ما يجوز صداقا لئلا يخلو النكاح عن مهر ؟ وجهان . ويقال : قولان .

قلت : الأصح عند من قال بالرجوع ، أنه لا يبقي لها شيئا ، ويكفي في حرمة النكاح أنه وجب لها ثم استرد بالتغرير . والله أعلم .

وإن كان التغرير من الولي ، بأن خطب إليه فزوج وهو مجبر أو غيره بإذنها ولم يذكر للخاطب عيبها ، فإن كان عالما بالعيب ، رجع عليه بجميع ما غرم . وإن كان جاهلا ، فوجهان ; لأنه غير مقتصر ، لكن ضمان المال لا يسقط بالجهل . فإن قلنا : لا رجوع إذا جهل ، فذلك إذا لم يكن محرما كابن عم ومعتق وقاض ، وحينئذ يكون الرجوع على المرأة . فأما المحرم ، فلا يخفى عليه الحال غالبا ، وإن خفي فلتقصيره ، فيرجع عليه مع الجهل على الصحيح . فإذا قلنا : لا رجوع على الجاهل ، فعلى الزوج إثبات العلم ببينة على إقرار الولي بالعلم . وإن غره أولياء الزوجة ، فالرجوع عليهم ، فإن جهل بعضهم وقلنا : لا رجوع على الجاهل ، رجع على من علم . ولو وجد التغرير منها ومن الولي ، فهل يكون الرجوع عليها فقط لقوة جانبها ، أم عليهما نصفين ؟ فيه وجهان ، وإن غرت الولي وغر الولي الزوج ، رجع الزوج على الولي والولي عليها ، ولم يتعرضوا لما إذا كانت جاهلة بعيبها ، ولا يبعد مجيء الخلاف فيه .

قلت : لا مجيء له لتقصيرها الظاهر ، لا سيما وقد قطع الجمهور بأن الولي المحرم لا يعذر بجهله لتقصيره . والله أعلم .

[ ص: 183 ] الرابعة : المفسوخ نكاحها بعد الدخول ، لا نفقة لها في العدة ولا سكنى إذا كانت حائلا بلا خلاف ، وإن كانت حاملا ، فإن قلنا : نفقة المطلقة الحامل للحمل وجبت هنا ، وإن قلنا بالأظهر . إنها للحامل ، لم تجب . وأما السكنى ، لا تجب على المذهب وبه قطع الجمهور . وقيل بطرد القولين . وقال ابن سلمة : إن كان الفسخ بعيب حادث ، وجبت ، وإلا فلا . وإذا لم نوجب السكنى فأراد أن يسكنها حفظا لمائه ، فله ذلك وعليها الموافقة ، قاله أبو الفرج السرخسي .

فروع

تتعلق بهذا السبب

رضي أحد الزوجين بعيب صاحبه ، فحدث بمن به العيب عيب آخر ، ثبت الخيار بالعيب الحادث على الصحيح . وإن ازداد الأول ، فلا خيار على الصحيح ; لأن رضاه بالأول رضى بما يتولد منه . ولو فسخ بعيب ، فبان أن لا عيب ، فهل يحكم ببطلان الفسخ وباستمرار النكاح ؟ وجهان حكاهما الحناطي .

قلت : الصحيح ، بطلان الفسخ ; لأنه بغير حق . والله أعلم .

ولو قال : علمت عيب صاحبي ، ولم أعلم أن العيب يثبت الخيار ، فقولان كنظيره في عتقها تحت عبد . وقيل : لا خيار هنا قطعا ; لأن الخيار بالعيب مشهور في جنس العقود .

التالي السابق


الخدمات العلمية